للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«واكرب أباه؟ .. فيقول لها عليه الصلاة والسلام: ليس على أبيك كرب بعد هذا اليوم» «١٦» .

قالت عائشة رضي الله عنها: «إن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته، دخل عليّ عبد الرحمن وبيده السواك وأنا مسندة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك، فقلت: آخذه لك، فأشار برأسه أن نعم، فتناولته فاشتد عليه، فقلت: أليّنه لك؟

فأشار برأسه أن نعم، فلينته فأمرّه، وبين يديه ركوة فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح وجهه ويقول: لا إله إلا الله إن للموت سكرات. ثم نصب يده فجعل يقول: في الرفيق الأعلى، حتى قبض، ومالت يده» «١٧» .

وانتشر خبر وفاته صلّى الله عليه وسلم في الناس، وأقبل أبو بكر رضي الله عنه على فرس من مسكنه في السّنح (وكان قد ذهب إلى منزله هناك آملا أنه صلّى الله عليه وسلم قد عوفي من وجعه) ، حتى نزل فدخل المسجد، فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة، فتيمم رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو مغشى بثوب حبرة، فكشف عن وجهه، ثم أكبّ عليه فقبله. وبكى، ثم قال: «بأبي أنت وأمي لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها» «١٨» . ثم خرج رضي الله عنه، وعمر يكلم الناس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لم يمت، ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران وأنه صلّى الله عليه وسلم لا يموت حتى يفني الله المنافقين؛ فأقبل أبو بكر يقول له: على رسلك يا عمر، أنصت ولكنه استمر في كلامه مهتاجا، فلما رآه أبو بكر لا ينصت أقبل على الناس فأقبلوا إليه وتركوا عمر، فقال أبو بكر: أما بعد أيها الناس، من كان منكم يعبد محمدا صلّى الله عليه وسلم فإن محمدا قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت، قال الله تعالى: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ [آل عمران ٣/ ١٤٤] . فكأن الناس لم يعلموا أن الله نزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها منه الناس كلهم، فما سمعها بشر من الناس إلا وأخذ يتلوها. قال عمر رضي الله عنه: «والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها، فعقرت ما تقلّني رجلاي وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها وعلمت أن النبي صلّى الله عليه وسلم قد مات» «١٩» .


وقد خرجه الشيخ ناصر فقال: ضعيف أخرجه الترمذي وغيره عن طريق موسى بن سرجس بن محمد عن عائشة ... إلخ. وإنما هو ضعيف بهذا اللفظ فقط، أما أصل الحديث فقد رواه البخاري بطريق صحيح وإذا كان للحديث الواحد طريقان فلا ينبغي الاقتصار في تخريجه على ذكر الضعيف منهما لما فيه من الإيهام. كما سبق بيانه في صفحة (٤٩٤) ولا يضير اختلاف يسير في اللفظ ما دامت الحادثة واحدة.
(١٦) رواه البخاري.
(١٧) رواه البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري.
(١٨) رواه البخاري.
(١٩) رواه ابن إسحاق وغيره، كما رواه البخاري أيضا مع فرق بسيط في بعض الألفاظ.

<<  <   >  >>