وما اقترح عليّ على عمر رأيا إلّا واتّجه عمر إلى تنفيذه عن قناعة، وحسبك في ذلك قوله: لولا عليّ لهلك عمر.
أمّا علي فقد كان يمحضه النصح في كل شؤونه وأحواله، وقد رأيت أن عمر استشاره في أن يذهب بنفسه على رأس جيش لقتال الفرس، فنصحه نصيحة المحب له الغيور عليه والضنين به، أن لا يذهب، وأن يدير رحى الحرب بمن دونه من العرب وهو في مكانه. وحذّره من أنه إن ذهب، فلسوف ينشأ وراءه من الثغرات ما هو أخطر من العدو الذي سيواجهه.
أرأيت لو أن رسول الله أعلن أن الخلافة من بعده لعلي، أفكان لعلي أن يعرض عن أمر رسول الله هذا، وأن يؤيد المستلبين لحقه بل لواجبه في الخلافة، بمثل هذا التعاون المخلص البناء؟
بل أفكان للصحابة كلهم أن يضيعوا أمر رسول الله، بل أفكان من المتصور أن يجمعوا- وفي مقدمتهم عليّ رضي الله عنه- على ذلك؟
رابعا- كما أن خلافة أبي بكر جاءت في ميقاتها، الذي لم يكن يصلح له إلا أبو بكر، فكذلك خلافة عمر جاءت في ميقاتها الذي كان عمر من أصلح الناس له. لقد كان من أجلّ ما قام به أبو بكر إعادة تثبيت الإسلام بناء في الدولة ويقينا في النفوس بعد الاضطراب الذي نابه بسبب وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلم. ولقد كان من أجلّ ما قام به عمر مدّ الفتوحات الإسلامية إلى أقصى بلاد الفرس والشام والمغرب، وبناء المدن وتدوين الدواوين، وتوطيد دعائم الدولة الإسلامية كأقوى دولة حضارية فوق الأرض.
وهذا يدلّ على مدى حكمة الله تعالى في رعاية عباده وتحقيق أسباب الخير والسعادة لهم في حياتهم الفردية والاجتماعية.
خامسا- نقول عن الطريقة التي تمت على أساسها خلافة عثمان، ما قلناه عن ذلك بالنسبة لخلافة عمر. فقد كان العهد بها هو السبيل لخلافة كل منهما، إلا أن الفرق بينهما هو أن أبا بكر عهد بالخلافة إلى عمر بعينه. أما عمر فقد عهد بالخلافة إلى واحد من ستة أشخاص هم أهل الشورى، وفوّض إلى المسلمين اختيار من يشاؤونه منهم.
وقد رأيت أن اختيار عثمان من بين هؤلاء الستة كان بمشورة من هؤلاء الستة أنفسهم، ثم كان بمشورة فمبايعة من عامة المسلمين أو أهل الحلّ والعقد منهم. وقد كان عليّ رضي الله عنه واحدا من هؤلاء الستة، وكان في مقدمة من بايع عثمان رضي الله عنهما.
بوسعنا أن نعلم إذن، بكل بداهة، أن المسلمين إلى هذا العهد، بل إلى نهاية عهد عليّ رضي الله عنه كانوا جماعة واحدة، ولم يكن في ذهن أي من المسلمين أي إشكال بشأن الخلافة