للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مع مقتضيات الدعوة التي هيأه الله لها، فهو حتى عندما لا يجد لديه الوحي أو الشريعة التي تعصمه من الاستجابة لكثير من رغائب النفس، يجد عاصما آخر خفيا يحول بينه وبين ما قد تتطلع إليه نفسه مما لا يليق بمن هيأته الأقدار لتتميم مكارم الأخلاق وإرساء شريعة الإسلام.

وفي اجتماع هاتين الحقيقتين لديه صلّى الله عليه وسلم دليل واضح على أن ثمة عناية إلهية خاصة تسيّره وتأخذ بيده بدون وساطة الأسباب المعروفة كوسائل التربية والتوجيه، ومن ذا الذي يوجهه في طريق هذه العصمة وكل الذين حوله من أهله وبني قومه وجيرانه، غرباء عن هذا الطريق، ضالون عن هذه الوجهة؟

لا جرم إذن أن هذه العناية الإلهية الخاصة التي جعلت لشباب النبي صلّى الله عليه وسلم طريقا دقيقا من النور يمخر عباب ظلام الجاهلية، من أعظم الآيات الدالة على معنى النبوة التي خلقه الله لها وهيأه لحمل أعبائها، وعلى أن معنى النبوة هو الأساس في تكوين شخصيته واتجاهاته النفسية والفكرية والسلوكية في الحياة.

وكان من اليسير أن يولد الحبيب الأعظم صلّى الله عليه وسلم، وقد انتزعت من نفسه كل هذه الدوافع الغريزية إلى التمتع بالشهوات والأهواء، فلا يجد في نفسه ما يدفعه أصلا إلى ترك أغنامه أمانة عند زميله ليهبط إلى بيوت مكة فيبحث بينها عن قوم يسمرون أو يلهون ويمرحون. غير أن ذلك لا يدل حينذاك على أكثر من شذوذ في تركيبه النفساني، وهي ظاهرة يوجد لها نماذج في كل قوم وعصر، وإذن فليس ثمة ما يدل على العناية الخفية التي تصرفه عما لا يليق رغم وجود الدوافع الغريزية نحوه. وإنما اقتضت حكمة الله عز وجل أن يتبدى للناس من هذه العناية الإلهية بالرسول الكريم ما يسهل عليهم أسباب الإيمان برسالته ويبعد عن أفكارهم عوامل الريب في صدقه.

<<  <   >  >>