للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأجدادهم دون تفكر منهم في مدى صلاحها أو فسادها، ودعاهم إلى تحرير عقولهم من أسر الاتباع الأعمى وعصبية التقاليد التي لا تقوم على شيء من أساس الفكر والمنطق.

وفي هذا دليل على أن مبنى هذا الدين- بما فيه من عقائد وأحكام- إنما هو على العقل والمنطق، وأن المتوخى في التمسك به إنما هو مصلحة العباد العاجلة والآجلة- ولذلك كان من أهم شروط صحة الإيمان بالله وما يتبعه من أمور اعتقادية أخرى- أن يقوم على أساس من اليقين والفكر الحر، دون أدنى تأثر بأي عرف أو تقليد، حتى قال صاحب جوهرة التوحيد في أرجوزته المعروفة:

فكل من قلد في التوحيد ... إيمانه لم يخل من ترديد

ومن هنا تعلم أن الدين جاء حربا على التقاليد، والدخول في أسرها. إذ هو قائم في كل مبادئه وأحكامه على أساس العقل والمنطق السليمين، على حين أن التقاليد قائمة على مجرد باعث الاقتداء والاتباع، أي دون أن يكون فيه لعنصر البحث والتفكير الحر أي تأثير. إذ أن كلمة (التقاليد) إنما تعني، في وضع اللغة العربية وما تواضع عليه عرف علماء الاجتماع: «مجموع العادات التي يرثها الآباء عن الأجداد، أو التي تسري، بمجرد عامل الاحتكاك في بيئة من البيئات أو بلدة من البلدان بشرط أن يكون عامل التقليد المجرد هو العصب الرئيسي الذي يمتدّ في تلك العادات من أجل الحياة والبقاء» .

فجميع ما اعتاده الناس من أنماط الحياة في مجتمعاتهم، ومن مظاهر اللهو في أفراحهم، ومن أشكال الحداد في مآسيهم وأحزانهم، مما حاكته عوامل التوارث القديم أو الاقتباس التلقائي عن طريق التأثر والاحتكاك جميع ذلك يسمى في اصطلاح اللغة وعلم الاجتماع (تقاليد) .

إذا علمت هذا، أدركت أن الإسلام لا يمكن أن ينطوي على شيء مما يسمى بالتقاليد، سواء ما كان منه متعلقا بالعقيدة أو مختلف النظم والأحكام. إذ العقيدة قائمة على أساس العقل والمنطق.

والأحكام قائمة على أساس المصالح الدنيوية والأخروية، وهي مصالح تدرك بالتفكير والتدبّر الذاتي وإن قصر عن إدراكها فهم بعض العقول لبعض العوارض والأسباب.

وإذا تبين لك هذا، أدركت مدى خطورة الخطيئة التي يقع فيها من يطلقون كلمة (التقاليد الإسلامية) على مختلف ما يتضمنه الإسلام من العبادات والأحكام التشريعية والأخلاقية.

إذ من شأن هذه التسمية الظالمة وترويجها، أن توحي إلى الأذهان أن قيمة السلوك والخلق الإسلامي ليست بسبب كونهما مبدأ إلهيا يكمن فيه سر سعادة البشر- كما هو الحق- وإنما بسبب أن كلّا من النظام والخلق الإسلامي إنما هو عادات قديمة موروثة من الآباء والأجداد. ولا ريب أن

<<  <   >  >>