وقال ابن مسعود: نعم ترجمان القرآن ابن عباس. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وأبي، وأبيه العباس، وبأبي ذر، وأبي سفيان، وطائفة من الصحابة. وقال مجاهد: ما رأيت أحداً قط مثل ابن عباس. لقد مات يوم مات وإنه لحبر هذه الأمة. وكان يسمى البحر لكثرة علومه. وعن عبيد الله بن عبد الله، قال: كان ابن عباس قد فات الناس بخصال: بعلم ما سبق، وفقه ما احتيج إليه، وحلم ونسب ونائل. ولا رأيت أحداً أعلم بما سبقه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بقضاء أبي بكر وعمر وعثمان منه، ولا أعلم بشعر منه. وروى من وجوه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم علمه الحكمة، وتأويل القرآن. وفي بعض الروايات: اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل. وفي حديث: اللهم بارك فيه وانشر منه واجعله من عبادك الصالحين. وفي حديث: اللهم زده علماً وفقهاً. قال ابن عبد البر: وكلها أحاديث صحاح.
وكان عمر رضي الله عنه يحبه ويدنيه ويقربه، ويشاور مع جلة الصحابة: وكان عمر يقول: ابن عباس فتى الكهول، له لسان سؤل. وقلب عقول. وقال طاووس أدركت نحو خمسمائة من الصحابة إذا ذاكروا ابن عباس. فخالفوه لم يزل يقررهم حتى ينتهوا إلى قوله. وقال يزيد بن الأصم: خرج معاوية رضي الله عنه حاجاً معه ابن عباس رضي الله عنه. وكان لمعاوية موكب ولابن عباس موكب ممن يطلب العلم. وقال عبد الله بن يزيد الهلالي.
ونحن ولدنا الفضل والخبر بعده ... عنيت أبا العباس ذا الفضل والندى
وفيه يقول حسان بن ثابت الأنصاري:
إذاما ابن عباس بدا لك وجهه ... رأيت له في كل أحواله فضلا
إذا قال لم يترك مقالاً لقائل ... بمنتظمات لا ترى بينها فصلا
كفى وشفى ما في النفوس فلم يدع ... لذي غربة في القول جداً ولا هزلا
ومر عبد اله بن صفوان يوماُ بدار عبد الله بن عباس فرأى فيها جماعة من طالب الفقه، ومر بدار عبيد الله بن عباس فرأى فيها جمعاً يتناوبونها لطعام، فدخل على ابن الزبير فقال له: أصبحت والله كما قال الشاعر: