فقرى الوحش من عظامي ولحمي ... وسقى الأرض من دمي المهراق
فعلى من تركته من قريب ... وبعيد تحية المشتاق
وكان قد جرى في بعض الأيام في مجلس أبيه قول الشاعر:
لئن كففت وإلا ... شققت منك ثيابي
فأصغى أبو الفتح، وقال في الوقت:
يا مولعاً بعذابي ... أما رحمت شبابي
تركت قلبي تيهاً ... نهب الأسى والتصابي
إن كنت تنكر ما بي ... من ذلتي واكتآبي
فارفع قليلاً قليلاً ... عن العظام ثيابي
ومن شعره:
مازلت في سكري ألمع كفها ... وذراعها بالقرص والآثار
حتى تركت أديمها وكأنما ... غرس البنفسج فيه بالجمار
قال الثعالبي: كنت يوماً عند أبي الفتح ابن العميد في يوم شديد الحر، فقال لي: ما قول الشيخ في قلبه؟ فلم أفطن لما أراده. فلما كان بعد قليل، أتى من استدعاني إلى مجلس أبيه، فلما مثلت بين يديه تبسم، وقال لي: ما قول الشيخ في قلبه؟ فبهت من جهة والده من يطالعه بأخباره، فكتب إلى أبيه في تلك الساعة بتلك. اللفظة، وكتب إلى والده: أنه كتب الليلة إلى فلان يستدعي منه بشراب ونقل ومشموم. فدس أبوه إلى ذلك الرجل من يأتيه بنفس الورقة التي بخط ابنه. فأتاه بها. فإذا فيها بعد البسملة: قد اغتنمت الليلة أطال الله بقاء سيدي ومولاي رقدةً من عين الدهر، وانتهزت فيها فرصةً من فرص العمر، وانتظمت مع أصحابي في سمط الثريا، فإن لم تحفظ علينا النظام عدنا كبنات نعش والسلام، فاستطير: أبوه فرحاً وعجاباً بهذه الرقعة، وقال: الآن ظهر لي أثر براعته، ووقع له بألفي دينار، وانشد وهو في آخر حاله في الحبس:
راعوا قليلاً فليس الدهر عبدكم ... كما تظنون فالأيام تنتقل
علي بن محمد: بن خلف. الإمام أبو الحسن المعافري القروي القابسي المالكي.