كنت كاذباً فصيرك الله كما كنت. ثم أتى الأعمى في صورته وهيئته فقال. له مثل ما قال. فقال: كنت أعمى فرد الله علي بصري. فخذ ما شئت ودع ما شئت. فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله. فقال: أمسك مالك فإنما ابتليتم فقد رضي عنك وسخط على صاحبيك. قال الوزير عون الدين يحيى بن محمد بن هبيرة رحمه الله تعالى، بعد ما أورد هذا الحديث في كتاب الإفصاح: البلاء إلى السلامة أقرب من العافية إليها. ألا ترى كيف هلك مع السلامة اثنان ونجا واحد. وقد دل هذا الحديث على أن الصبر على البلاء قد يكون خيراً للمبتلى فإنه بان بمعافاة الأقرع والأبرص أن المرض كان أصلح لهما، لأن العافية كانت سبباً لهلاكهما. وقد خذر هذا الحديث من كان في ضر فسأل زواله فلم ير الإجابة أن يتهم القدر فإن الله ينظر للعبد في الأصلح والعبد لا يعلم للعواقب. انتهى.
قلت: ليس هذا الكلام بمستقيم، لأنه لم يطابق الواقع. لأن الثلاثة كانوا في بلاء وسألوا بأجمعهم العافية وخار الله لأحدهم ولم يخر للباقيين. ولكن الصواب أن يسأل الله في العافية من البلاء والتوفيق إلى رضاه.
وأما كون الله تعالى نجى الأعمى وأهلك الأقرع والأبرص، فهذا أمر لا يعلل ولا يعقل. وهو من أسرار القدر، فسبحان الفاعل المختار، لا يعلم أسرار القضاء والقدر إلا هو. لا يسأل عما يفعل وهم يسئلون.
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ... ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
وعن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه عمن حدثه: أن حبيب بن فورك خرج به أبوه إلى رسول الله صلى عليه وسلم وعيناه مبيضتان لا يبصر بهما شيئاً. فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أصابه. فقال: إني كنت أمون جملاً لي فوضعت رجلي على بيض حية فابيضت عيناي. فنفث رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه فأبصر. فلقد رأيته يدخل الخيط في الإبرة، وهو ابن ثمانين.
ويؤيد هذا الحديث الحديث المشهور في عين قتادة. أخبرنا الحافظ الرحلة الشيخ فتح الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن سيد الناس اليعمري رحمه الله