للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعالى قراءة عليه وهو يسمع بالقاهرة المعزية في سنة تسع وعشرين وسبعمائة قلت له: قرأت على أبي عبد الله محمد بن علي بن ساعد، أخبركم ابن خليل، أنا ابن أبي زيد، أنا محمود الصيرفي، أنا أبو الحسين بن قاذشاه، أنا الطبراني، ثنا الوليد بن حماد الرملي، ثنا عبد الله بن الفضل، حدثني أبي عن أبيه عاصم عن أبيه عمر عن أبيه قتادة بن النعمان، قال: أهدي إلى رسول الله صلى اله عليه وسلم قوس. فدفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي يوم أحد. فرميت بها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اندقت عن سيتها ولم أزل عن مقامي نصب وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألقى السهام. وكلما مال سهم منها إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بلا رمي أرميه. فكان آخرها سهماً ندرت منه حدقتي على خدي. وافترق الجمع فأخذت حدقتي بكفي. فسعيت بها في كفي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم في كفي دمعت عيناه، فقال: اللهم إن قتادة فدى وجه نبيك بوجهه! فاجعلها أحسن عينيه وأحدهما نظراً! فكانت أحسن عينيه وأحدهما نظراً.

قلت: ولا شك أن هذا أبلغ معجزاً من الحديث الأول. فإن الأول فيه أن عينين كانتا قد ابيضتا. فتفل فيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبصرتا. وهما أخف أمراً من عين سالت وصارت في كف صاحبها وبانت عن مستقرها. فيعيدها صلى الله عليه وسلم أحسن من أختها وأحد منها نظراً. لا شك أن هذا أبلغ. وقال الخرنق الأوسي:

ومنا الذي سالت على الخد عينه ... فردت بكف المصطفى أحسن الرد

فعادت كما كانت لأحسن حالها ... فيا طيب ما عين ويا طيب ما يد

وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تكرهوا الرمد، فإنه يقطع عروق العمى. أي أسبابه.

وقال إبراهيم التيمي: كفى بالمرء حسرة أن يفسح الله في بصره في الدنيا وله جار أعمى، فيأتي يوم القيامة أعمى وجاره بصيراً.

وسمعت عفيرة بنت الوليد البصرية العابدة رجلاً يقول: ما أشد العمى على من كان بصيراً! فقالت: يا عبد الله عمى القلب عن الله اشد من عمى العين عن

<<  <   >  >>