للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مسلك واجب الشرع أو جائزه.

ومنها القاضي الأعمى، الصحيح من المذهب أنه لا يجوز أن يكون القاضي أعمى. وفيه وجه في جمع الجوامع للروياني اختاره القاضي شرف الدين بن أبي عصرون رحمه الله تعالى وصنف فيه جزأ واستمر على القضاء لما عمي. حجة الجمهور أنه لا يعرف الخصوم ولا الشهود. وحجة من جوز أن شعيباً عليه السلام كان أعمى فالقاضي بطريق أولى لأن النبي اشرف من القاضي. وقيل إن شعيباً عليه السلام لم يثبت عماه ولئن سلمنا عماه فإن الذين آمنوا معه كانوا قليلين. فربما أنهم كانوا لا يحتاجون إلى التحاكم بينهم، سلمنا أنهم احتاجوا إلى التحاكم لكن الوحي ينزل عليه بالحق في فصل القضايا، ولا كذلك القاضي. فلو عمي القاضي بعد سماع البينة وتعديلها، هل ينفذ قضاؤه في تلك الواقعة؟ فيه وجهان أحدهما لا، لأنه انعزل بالعمى.

ومنها المذهب أنه لا تقبل شهادة الأعمى إلا في موضعين. أحدهما أن يقول له إنسان في أذنه شيئاً فيعلقه ويحمله إلى القاضي فيشهد بما قاله، وقيل لا تقبل في هذه الحالة أيضاً. قال القاضي: ومحل الخلاف ما إذا جمعهما مكان خال وألصق فمه بخرق أذنه وضبطه فلو كان هناك جماعة وأقر في أذنه لم تقبل. والثاني فيما يشهد فيه بالاستفاضة كالموت والنسب لأن الشهادة إذا كانت على ذلك لم يؤثر فيها فقد البصر. وقال المحاملي: في قبول شهادته والحالة هذه نظر، من جهة أن المخبرين لا بد وأن يكونوا عدولاً، والأعمى لا يشاهدهم، فلا يعرف عدالتهم. وقال القاضي أبو الطيب كلام الأصحاب محمول على ما إذا سمع ذلك في دفعات مختلفة مع قول مختلفين في أزمان مختلفة حتى يصير لا شك فيه لكثرة تكراره على سمعه ويصير بمنزلة التواتر عنده. ولا يجوز التحمل إلا على هذا الوجه.

وقال الشيخ أبو علي كلامهم في شهادته بالنسب يتصور فيما إذا كان الشخص معروف النسب من جهة أبيه وأجداده وليس تعرف نسبته إلى قبيلة معينة فيشهد أن فلان بن فلان من بني فلان فتثبت هذه الشهادة من الأعمى فإنه نسب لا يحتاج إلى الإشارة دون ما إذا نسب شخصاً إلى شخص فإنه لا يجد إلى ذلك سبيلاً. وقد أضاف الأصحاب رحمهم الله تعالى إلى الصورتين صورة ثالثة وهي سماع شهادته في الترجمة

<<  <   >  >>