وظهر التشيع بسبب ابن الصاحب، ثم انطفئ بهلاكه، وظهر التسنن المفرط، ثم زال.
وظهرت الفتوة والبندق والحمام الهادي، وتفنن الناس في ذلك. ودخل فيه الأجلاء ثم الملوك، فألبسوا الملك العادل وأولاده سراويل الفتوة، والبسوا شهاب الدين الغوري ملك غزنة والهند وصاحب كيش وأتابك سعد صاحب شيراز والظاهر صاحب حلب. وتخوفوا من السلطان طغريل وجرت بينهم حروب، وفي الآخر استدعوا تكش لحربه وهو خوارزم شاه فالتقى معه على الري واحتز رأسه وسيره إلى بغداد، وكان الناصر قد خطب لولده الأكبر أبي نصر بولاية العهد، ثم ضيق عليه لما استشعر منه وعين أخاه، وألزم أبا نصر بأن اشهد على نفسه أنه لا يصلح، وانه قد نزل عن الأمر.
ولم يزل الناصر مدة حياته، في عز وجلالة، وقمع الأعداء، والاستظهار على الملوك، لم يجد ضيماً، ولا خرج عليه خارجي إلا قمعه، ولا مخالف إلا دمغه. وكان شديد الاهتمام بالملك ومصالحه، لا يكاد يخفى عليه شيء من أمور رعيته كبارهم وصغارهم. وأصحاب الأخبار في أقطار الأرض، يواصلون إليه أحوال الملوك الظاهرة والباطنة. وكانت له حيل لطيفة، ومكائد خفية، وخدع لا يفطن لها أحد. يوقع الصداقة بين ملوك متعادين ويوقع العداوة بين ملوك متصادقين، وهم لا يشعرون.
ولما دخل رسول صاحب مازندران بغداد، كان يأتيه ورقة كل صباح بما فعله في الليل. وكان يبالغ في كتمان أمره والورقة تأتيه، فاختلى ليلة بامرأة دخلت إليه من باب السر، فصبحته الورقة بذلك. وكان فيها كان عليكم دواج فيه صورة الفيلة، فتحير وخرج من بغداد وهو لا يشك أن الغمام الناصر يعلم الغيب، لأن الإمامية يعتقدون أن الإمام المعصوم يعلم ما في بطن الحامل وما وراء الجدار.
وأتى رسول خوارزم شاه برسالة مخفية، وكتاب مختوم، فقيل له ارجع، فقد عرفنا ما جئت به، فرجع وهو يظن أنهم يعلمون الغيب.
ورفع إليه في المطالعات، أن رجلاً كان واقفاً والعسكر خارج إلى ششتر، في قوة الأمطار، وشدة البرد، فقال: كنت أريد من الله من يخبرني إلى أين يمضي هؤلاء المدابير.
ويسفقني مائة خشبة، فلم تزل عين الرافع ترقب القائل، حتى وصل إلى مستقره خشية أن يطلب، فأمر الناصر في الحال، أن يطلبه