وكان معه عسكر يسير، يبلغ ألفي فارس وأربعة آلاف راجل. فبلغ ذلك ملكشاه. فأخذ هو ووزيره نظام الملك من قلعة الري خمسمائة ألف دينار، وخمسة آلاف ثوب، وسلاحاً. وخرجا من الري سبقاه إلى التركمان الذين كان فاروت بك يقصدهم. فاقتتلوا فهرب فاروت بك وأسر أولاده. فلما كان من الغد، جاء إلى ملكشاه سوادي، فقال: عمك في القرية الفلانية مع ولد له، فابعث معي من يأخذه. فسار إليه ملكشاه بنفسه. وحمل إليه مقيداً ماشياً فأومأ إلى الأرض وقبل يد ملكشاه. فقال له: يا عم! كيف أنت من تعبك؟ أما استحييت من هذا الفعل؟ يموت أخوك، فما قعدت في عزائه، ولم تبعث إلى قبره ثوبا، والغرباء قد حزنوا عليه. فقد لقاك الله سوء فعلك. فقال: ما قصدت ذلك، ولكن كاتبني عسكرك فجئت لأمر قضاه الله. فحمل مقيداً إلى همذان. فلام كان يوم الأربعاء ثالث شعبان سنة خمس وستين وأربعمائة، قتل فاروت بك. خنقه رجل أعور أرمني من أصاغر الحاشية، بوتر قوي. ثم إن ملكشاه جمع أولاده وصهره إبراهيم بن ينال. وكحلهم بين يديه. وقدم سلطان شاه إسحاق هذا وهو أكبر أخوته وأنجبهم، وهو كما يقل عذاره، فأخذ إخوته الصغار واحداً بعد واحد، وجعل يضمه إليه، ويقبله: ويقول: هذا قضاء الله فلا تجزعوا، فإن الموت يأتي على جميع الناس. وكحل وكحلوا ومات منهم اثنان. ثم إنه اعتقل سلطان شاه في همذان سنة خمس وستين وأربعمائة. فدبر سلطان شاه الحيلة مع بعض الموكلين، وبعث إلى كرمان يستدعي له خيلاً. فلما جاءته، فتح الموكلون السقف واستقوه ومعه أخوه، ونزلا وركبا الخيل ولم يتبعهما أحد. ومضيا إلى كرمان وحصلا في قلعة لا بهما، وسر الناس بهما. وقام سلطان شاه مقام أبيه واجتمعت الكلمة عليه وورد الخبر إلى ملكشاه عمه في جمادى الأولى، فشغب الجند على الوزير نظام الملك، وطالبوه بالأموال حتى فرغت الخزائن. واستمر سلطان شاه على حاله ملكاً بتلك الناحية. وجهز أموالاً عظيمة جداً إلى مكة شرفها الله تعالى، شكر الله تعالى على نجاته. ولم يزل على حاله، إلى أن توفي رحمه الله تعالى سنة ست وسبعين وأربعمائة. وجاءت أمه بهدايا إلى السلطان، وألطاف وأموال، فأكرمها وأقر أخاه مكانه. والله أعلم.