للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سهيلٍ.

وقال الحافظ أحمد بن حمدون: رأيت البخاريَّ في جنازةٍ ومحمَّد بن يحيى الذُّهليُّ يسأله عن الأسماء والعلل، والبخاريُّ يمرُّ فيه كالسَّهم، كأنَّه يقرأ ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾.

وأمَّا تآليفه فإنَّها سارت مسير الشَّمس، ودارت في الدُّنيا فما جحد فضلَها إلَّا الذي يتخبَّطه الشَّيطان من المسِّ، وأجلُّها وأعظمها: «الجامع الصَّحيح».

ومنها: «الأدب المفرد» ويرويه عنه أحمد بن محمَّد بن الجليل -بالجيم- البزَّاز.

ومنها: «برُّ الوالدين» ويرويه عنه محمَّد بن دَلُّويه الورَّاق.

ومنها: «التَّاريخ الكبير»، الذي صنَّفه -كما مرَّ- عند قبر النَّبيِّ في اللَّيالي المقمرة، ويرويه عنه أبو أحمد محمَّد بن سليمان بن فارسٍ وأبو الحسن محمَّد بن سهل الفسويُّ، وغيرهما.

ومنها: «التَّاريخ الأوسط»، ويرويه عنه عبد الله بن أحمد بن عبد السَّلام الخفَّاف، وزنجويه بن محمَّدٍ اللَّباد.

ومنها: «التَّاريخ الصَّغير»، ويرويه عنه عبد الله بن محمَّد بن عبد الرَّحمن الأشقر.

ومنها: «خلق أفعال العباد»، الذي صنَّفه بسبب ما وقع بينه وبين الذُّهليِّ، كما سيأتي قريبًا -إن شاء الله تعالى- ويرويه عنه يوسف بن ريحان بن عبد الصَّمد والفَِرَبْريُّ أيضًا.

وكتاب «الضُّعفاء»، يرويه عنه أبو بشرٍ محمَّد بن أحمد بن حمَّادٍ الدُّولابيُّ، وأبو جعفرٍ مُسبِّح بن سعيدٍ وآدم بن موسى الخواريُّ.

قال الحافظ ابن حجرٍ: وهذه التَّصانيف موجودةٌ مرويَّةٌ لنا بالسَّماع والإجازة.

قال: ومن تصانيفه: «الجامع الكبير»، ذكره ابن طاهرٍ، و «المسند الكبير» و «التَّفسير الكبير» ذكره الفَِرَبْريُّ، وكتاب «الأشربة» ذكره الدَّارقطنيُّ في «المؤتلف والمختلف»، وكتاب «الهبة»، ذكره ورَّاقه، و «أسامي الصَّحابة»، ذكره أبو القاسم بن منده، وأنَّه يرويه من طريق ابن فارسٍ عنه، وقد نقل منه أبو القاسم البغويُّ الكثير في «معجم الصَّحابة» له، وكذا ابن منده في «المعرفة»، ونقل عنه في كتاب «الوُحدان» له؛ وهو مَنْ ليس له إلَّا حديثٌ واحدٌ من الصَّحابة، وكتاب «المبسوط»، ذكره الخليليُّ في «الإرشاد»، وأنَّ مَهيب بن سُليمٍ رواه عنه في «كتاب العلل»، وذكره أبو القاسم بن منده أيضًا، وأنَّه يرويه عن محمَّد بن عبد الله بن حمدون عن أبي محمَّد عبد الله بن الشَّرقيِّ عنه، وكتاب «الكنى»، ذكره الحاكم أبو أحمد ونقل منه، وكتاب «الفوائد»، ذكره التِّرمذيُّ في أثناء كتاب «المناقب» من «جامعه».

ومن شعره ممَّا أخرجه الحاكم في «تاريخه»:

اغتنم في الفراغ فَضْلَ ركوعٍ … فعسى أن يكون موتُك بَغْتهْ

كم صحيحٍ رأيتُ من غير سقمٍ … ذهبت نفسه الصَّحيحة فلتهْ

ولمَّا نُعِيَ إليه عبد الله بن عبد الرَّحمن الدَّارميُّ الحافظ؛ أنشد:

إن عشتَ تُفجَعُ بالأحبَّة كلِّهمْ … وبقاءُ نفسك -لا أبا لكَ- أفجعُ

وأمَّا ثناء النَّاس عليه بالحفظ والورع والزُّهد وغير ذلك؛ فقد وصفه غير واحدٍ بأنَّه كان أحفظ أهل زمانه، وفارس ميدانه، كلمةٌ شهد له بها الموافقُ والمخالف، وأقرَّ بحقيقتها المعادي والمحالف.

قال الشَّيخ تاج الدِّين السُّبكيُّ في «طبقاته»: كان البخاريُّ إمامَ المسلمين، وقدوةَ المؤمنين، وشيخَ الموحِّدين، والمُعوَّلَ عليه في أحاديث سيِّد المُرسَلين، قال: وقد ذكره أبو عاصمٍ في طبقات أصحابنا الشَّافعية، وقال: سمع من الزَّعفرانيِّ وأبي ثورٍ والكرابيسيِّ، قال: ولم يرو عن الشَّافعيِّ في «الصَّحيح»؛ لأنَّه أدرك أقرانه، والشَّافعيُّ مات مكتهلًا، فلا يرويه نازلًا. انتهى. نعم؛ ذكر البخاريُّ الشَّافعيَّ في «صحيحه» في موضعين في «الزكاة» [خ¦٢٤/ ٦٦ - ٢٣٦٠]، وفي «تفسير العرايا» [خ¦٣٤/ ٨٤ - ٣٤١٨]، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وقال الحافظ عماد الدِّين ابن كثيرٍ في تاريخه «البداية والنِّهاية»: كان إمامَ الحديث في زمانه، والمُقتَدى به في أوانه، والمُقدَّم على سائر أضرابه وأقرانه.

وقال قتيبة بن سعيدٍ: جالست الفقهاء والعبَّاد والزُّهَّاد، فما رأيت منذ عقلت مثل محمَّد بن إسماعيل، وهو في زمانه كعمرَ في الصَّحابة، وقال أيضًا: لو كان في الصَّحابة لكان آيةً.

وقال أحمد ابن حنبل فيما رواه الخطيب بسندٍ صحيحٍ: ما أخرجت خراسانُ مثلَ محمَّد بن إسماعيل.

وقال الحافظ عماد الدِّين ابن كثيرٍ: إنَّه دخل بغداد ثمانِ مرَّاتٍ، وفي كلِّ مرَّةٍ منها يجتمع بالإمام أحمد ابن حنبل، فيحثُّه على الإقامة ببغداد، ويلومه على الإقامة بخراسان.

قال يعقوب بن إبراهيم الدَّورقيُّ ونُعيمٌ الخزاعيُّ: محمَّد بن إسماعيل فقيه هذه الأمَّة.

وقال بندار بن بشَّار: هو أفقه خلق الله في زماننا.

وقال نُعيم بن حمَّادٍ: هو فقيه هذه الأمَّة.

وقال إسحاق بن رَاهُوْيَه: يا معشر أصحاب الحديث، انظروا إلى هذا الشَّابِّ واكتبوا عنه؛ فإنَّه لو كان في زمن الحسن البصريِّ لاحتاج النَّاس إليه؛ لمعرفته بالحديث وفقهه.

وقد فضَّله بعضهم في الفقه والحديث على الإمام أحمد ابن حنبل وإسحاق بن رَاهُوْيَه.

وقال رجاء بن مُرَجَّى: فضل محمَّد بن إسماعيل -يعني في زمانه- على العلماء؛ كفضل الرِّجال على النِّساء، وهو آيةٌ من آيات الله تعالى تمشي على الأرض.

وقال الفلَّاس: كلُّ حديثٍ لا يعرفه البخاريُّ فليس بحديثٍ.

وقال يحيى بن جعفر البيكنديُّ: لو قدرت أن أزيد من عمري في عمر محمَّد بن إسماعيل؛ لفعلت؛ فإنَّ موتي يكون موت رجلٍ واحدٍ، وموت محمَّد بن إسماعيل فيه ذهابُ العلمِ.

وقال عبد الله بن عبد الرَّحمن الدَّارميُّ: رأيت العلماء بالحرمين والحجاز والشَّام والعراق، فما رأيت فيهم أجمع من محمَّد بن إسماعيل.

سُهيل، وإنَّما هو موسى بن إسماعيل.

قوله: (دَلُّوْيَه) تقدَّمَ ضبطهُ قريبًا.

قوله: (النَّسَوِي) بالنون والسين المهملة المفتوحتين، نسبةً إلى نسا مدينة بخُرَاسَان.

قوله: (الخَفَّاف) بخاء معجمة وفاءين بينهما ألف، و (زَنْجُوْيَه) بزاي فنون ساكنة فجيم مضمومة فواو ساكنة فمُثناة تحتيةٍ مفتوحة، آخرهُ هاء.

قوله: (وَلَمَّا نُعِيَ إِلَيْهِ) بضم النون وكسر العين المهملة، أي: بلغه أنَّه قد مات.

قوله: (بِالأَحِبَّةِ)؛ أي: بموتهم.

وقوله: (وَبَقَاءُ نَفْسِكَ)؛ أي: بعدهم.

وقوله: (لَاْ أَبَا لَكَ) جملة اعتراضية بالدعاء عليه بفقد والده، ومثل ذلك جارٍ في كلامهم على غيرِ حقيقتهِ بل مُرَادًا منهُ التَّرَحُم، أو الضد، كتربت يداك، وقاتله الله ما أشعره، ونحو ذلك، ولفظ (أَفْجَعُ) خبرٌ عن قوله (وَبَقَاءُ نَفْسِكَ).

قوله: (وَالمُخَالِفُ) هي في الأولى بالخاءِ المعجمة من المُخَالَفَةِ، وفي الثانية بالمُهملة من التَّحَالف؛ أي: التَّعَاهُدُ على المودةِ والنُّصْرَة ونحو ذلك.

قوله: (نَعَمْ ذَكَرَ البُخَارِيُّ الشَّافِعِيَّ)؛ أي: ناقلًا لكلامه لا رَاويًا لحديثه.

قوله: (رَجَاء بنُ مُرَجَّا) بضم الميم من مُرَجَّا وفتح الراء والجيم المشددة.

قوله: (فَلَيْسَ بِحَدِيْثٍ)؛ أي: معتدٍّ بِهِ.

<<  <   >  >>