بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره، واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الإخوة المباركون والأخوات المباركات! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا لقاء متجدد من لقاءات عنوانها: المدائح النبوية، وهي قصائد قيلت في مدح خير الخلق صلى الله عليه وسلم، فننتقي من بعضها أبياتاً وأفانين، ثم نعلق عليها تعليقاً نحاول من خلاله أن نقرب أيام نبينا صلى الله عليه وسلم؛ لنقتدي وننهل من معين سيرته، ونقتبس من ثناء نبوته.
كنا قد تكلمنا عن شوقي رحمه الله وذكرنا أن له ثلاث قصائد في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم: البائية والنونية والهمزية.
وقد مضى القول عن بائيته، ومطلعها: سلوا قلبي، وعن نونيته ومطعلها: ريم على القاع.
واليوم نقف مع همزيته، وكما جرت العادة نقرأ الأبيات ثم نعرج ونعلق عليها بما يفتحه الله علينا.
قال شوقي رحمه الله: ولد الهدى فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسم وثناءُ الروح والملأ الملائك حوله للدين والدنيا به بشراء يا خير من جاء الوجود تحية من مرسلين إلى الهدى بك جاءوا بيت النبيين الذي لا يلتقي إلا الحنائف فيه والحنفاء خير الأبوة حازهم لك آدم دون الأنام وأحرزت حواء هم أدركوا عز النبوة وانتهت فيها إليك العزة القعساءُ خلقت لبيتك وهو مخلوق لها إن العظائم كفؤها العظماء بك بشر الله السماء فزينت وتضوعت مسكاً بك الغبراء وبدا محياك الذي قسماته حق وغرته هدىً وحياء ليل يتيه على الزمان صباحه ومساؤه بمحمد وضاء ذعرت عروش الظالمين فزلزلت وعلت على تيجانهم أصداء والنار خاوية الجوانب حولهم خمدت ذوائبها وغاب الماء والآي تترى والخوارق جمة جبريل رواح بها غداء نعم اليتيم بدت مخايل فضله واليتم رزق بعضه وذكاء في المهد استسقى الحمام برجائه وبقصده تستدفع البأساء يا من له الأخلاق ما تهوى العلا منها وما يتعشق الكبراء لو لم تقم ديناً لقامت وحدها ديناً تضيء بنوره الآناء زانتك في الخلق العظيم شمائل يغرى بهن ويولع الكرماء أما الجمال فأنت شمس سمائه ما لاح في الصديق منك إياء والحسن من كرم الوجوه وخيره ما أوتي القواد والزعماء فإذا سخوت بلغت بالجود المدى وفعلت ما لا تفعل الأنواء وإذا عفوت فقادراً ومقدراً لا يستهين بعفوك الجهلاء وإذا رحمت فأنت أم أو أب هذان في الدنيا هما الرحماء وإذا غضبت فإنما هي غضبة في الحق لا ضغن ولا بغضاء وإذا رضيت فذاك في مرضاته ورضى الكثير تحلم ورياءُ وإذا خطبت فللمنابر هزة تعرو الندي وللقلوب بكاء وإذا قضيت فلا ارتياب كأنما جاء الخصوم من السماء قضاء وإذا حميت الماء لم يورد ولو أن القياصر والملوك ظماء وإذا أجرت فأنت بيت الله لم يدخل عليه المستجير عداء وإذا ملكت النفس قمت ببرها ولو أن ما ملكت يداك الشاء وإذا بنيت فخير زوج عشرةً وإذا ابتنيت فدونك الآباء وإذا صحبت رأى الوفاء مجسماً في بردك الأصحاب والخلطاء وإذا أخذت العهد أو أعطيته فجميع عهدك ذمة ووفاء وإذا مشيت إلى العدا فغضنفر وإذا جريت فإنك النكباء في كل نفس من سطاك مهابة ولكل نفس في نداك رجاء والرأي لم ينض المهند دونه كالسيف لم تضرب به الآراء يا أيها الأمي حسبك رتبة في العلم أن دانت بك العلماء الذكر آية ربك الكبرى التي فيها لباقي المعجزات غناء صدرُ البيان له إذا التقت اللغى يتقدم البلغاء والفصحاء يا أيها المسرى به شرفاً إلى ما لا تنال الشمس والجوزاء يتساءلون وأنت أطهر هيكل بالروح أم بالهيكل الإسراء بهما سموت مطهرين كلاهما روح وريحانية وبهاء تغشى الغيوب من العوالم كلما طويت سماء قلدتك سماء أنت الذي نظم البرية دينه ماذا يقول وينظم الشعراء والمصلحون أصابع جمعت يداً هي أنت بل أنت اليد البيضاء صلى عليك الله ما صحب الدجى حاد وحنت بالفلا وجناء واستقبل الرضوان في غرفاتهم بجنات عدن آلك السمحاء هذا بعض ما قاله شوقي في همزيته في مدح رسولنا صلوات الله وسلامه عليه، وقد عرج شوقي في قصيدته على معانٍ عديدة، وأظهر فيها قدرة شعرية بالغة الذروة زانها أنها قيلت في سيد الخلق وأشرفهم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وسنقف هنا مع بعض ما ذكره شوقي في قصيدته.
ذكر شوقي قضية إرهاصات النبوة، وعبر عنها بعد أن ذكر أن عروش الظالمين زلزلت فقال: والآي تترى والخوارق جمة جبريل رواح بها غداء