وأما ما يتعلق ببيت شوقي: واترك رعمسيس إن الملك مظهره في نهضة العدل لا في نهضة الهرم فهذا البيت ليس فرداً في القصيدة، وإنما مهد له شوقي وبين أن النبي صلى الله عليه وسلم أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور، ومعلوم أن نبينا نبئ بإقرأ وأرسل بالمدثر، قال شوقي: ونودي اقرأ تعالى الله قائلها لم تتصل قبل من قيلت له بفم ثم أخذ يطنب في ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته، وما أفاءه الله عليه من هذا الدين العظيم، وكيف أن أتباعه نشروا الدين في أسقاع الأرض، ثم قال معقباً هذا البيت الذي بين أيدينا: واترك رعمسيس إن الملك مظهره في نهضة العدل لا في نهضة الهرم وندرك جميعاً أن الذي تفتخر به الحضارة المصرية هو أهرام الجيزة، وإن كانت هذه تدل على ما كان عند الفراعنة القدماء من تشييد في البناء لكن شوقي أراد أن يقول: إن الحق والفخر لا يكون في البناء الحجري بقدر ما يكون في البناء الإنساني: أهرامنا شاد طه دعائمها وحي من الله لا طين ولا حجر فافتخار الحضارة المصرية بأهرام الجيزة يقول شوقي فيه: إن الأولى والأحرى بالناس أن يفتخروا بما قدمه الدين من مظاهر عظيمة ومناقب جليلة على لسان سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم.
واترك رعمسيس، أي: أي كل حضارة سبقت اتركها خلف ظهرك، ثم بين: إن الملك مظهره في نهضة العدل لا في نهضة الهرم ونحن نعلم أن العالم المعاصر يفتخر كثيراً بالثورة الفرنسية المعاصرة، ويجعلون من تقويض سجن الباستيلا أمراً يتغنون به ليل نهار، وهذا نبه عليه شوقي رحمه الله في قصيدة أخرى: وما البستيل إلا بنت أمس وكم أكل الحديد بها صحينا أو كما قال، فالذي يعنينا أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام العدل في النفس البشرية أولاً، فقال عليه الصلاة والسلام:(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، فلما أصلح الله رسوله فرداً كان حَريّاً بعد ذلك أن يكون المجتمع وأن تكون الأمة قائمة على العدل، وما يتغنى به الإنسان اليوم من الحضارات وحق لها من ظهور منظمات ومؤسسات تعنى بحقوق الإنسان لا حرج في ذلك ولا ضير، قال قائلهم: زمان الفرد يا فرعون ولى ودالت دولة المتجبرينا