(ومن نهلك العذب يا خير الورى اغترفوا)، فكل أخذوا عنه صلوات الله وسلامه عليه من الصديق والفاروق وعثمان وعلي وغيرهم من الأصحاب إلى يومنا هذا، فالناس تنهل، فالعلماء ينهلون من معين علمه، وجميل سنته صلوات الله وسلامه عليه، على أن السنة تحتاج إلى رجل يحسن التدبر، وأن يعلم أن الدين لا يجمع بين متناقضين ولا يفرق بين متماثلين، فالنظرة إلى السنة والتأمل والتدبر إذا قام بها الإنسان قل إنكاره، فمن كثر علمه قل إنكاره؛ لأنه يعرف للمسألة أكثر من وجه، وسآتي بمثال حي من حياة الناس الآن، فلو قدر أنك زرت أخاً لك في بيته، ثم إن الذي استقبلك في المطار أخذك بسيارته وأوصلك إلى بيت أخيك، فأنت من خلال تتبعك لهذا الذي معك عرفت الطريق إلى بيت أخيك في هذه البلدة التي أنت غريب عنها، لكنك لا تعرف طريقاً غيرها، فلو قدر أنك أتيت مرة أخرى إلى نفس البلدة وأخذك شخص آخر غير الأول وهو يعرف طريقاً أقرب من طريق الذي كان قد أوصلك سابقاً، فعندما تراه يحيد عن الطريق الأول تجد نفسك جبلة تنكر عليه؛ لأنك لا تعلم طريقاً غيره، وأما هو فكان واثقاً من نفسه وعلى بينة من أمره، فهو يعرف طريقاً أو أكثر تدل على بيت أخيه، فكثر إنكارك لأن علمك قليل، لكن لو كنت تعلم طرائق متعددة توصل إلى بيت أخيك ما كان لك ولا عليك أن تنكر على من أوصلك، ولهذا من يعرف السنة حقاً ويستطيع الجمع بين الأحاديث وأوتي علماً وحفظاً تجده ذا سكينة ووقار لا يبادر إلى أي شيء ينكره اللهم إلا المنكرات المعروفة التي لا خلاف بين المسلمين فيها، لكن في أصله العام يبقى الرجل ذا تؤده؛ لأنه أبصر بالسنة وأعلم بالهدى، ويملك نظرة واسعة في الجمع بين الأحاديث، وتلك منزلة ينال بها الإنسان رفيع الدرجات، وأعالي ما وصل إليه العلماء، وكلنا في جملة الأمر نسير بهدى الله نغترف من عذب وسيرة نبينا صلى الله عليه وسلم.
هذا ما تهيأ إيراده معلقين به على قول شوقي: يا أيها الأمي حسبك رتبة في العلم أن دانت بك العلماء وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.