والمراجعة بين النبي صلى الله عليه وسلم ورده مع موسى، في علم يسمى علم التجريب، وهو لا يؤخذ من كتب، ولا يقرأ في دواوين، ولا يأتي من حفظ المتون، ولكن يأتي من الدخول في معترك الحياة، فستخرج لك التجارب أشياء لا تعرفها، ومن ذلك علم الدعوة إلى الله جل وعلا.
فموسى عليه الصلاة والسلام ابتلى الناس وخبرهم، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له إلا عشر سنوات فقط في الدعوة، فلما فرض الله عليه خمسين صلاة قال له موسى -متكئاً ومعتمداً على علمٍ تجريبي عنده-: إن أمتك لن يطيقوا هذا، فأخذ صلى الله عليه وسلم يراجع ربه، ثم ازدحم عند النبي صلى الله عليه وسلم أمران هما: أدبه مع ربه، وشفقته على أمته، فأدبه مع ربه يمنعه أن يراجع ربه مرة أخرى استحياء، وشفقته على أمته بوده لو أنها كانت خمس صلوات ولا تكن خمسين، فقرر أن يبقي على الأدب فيعتذر من أمته، فقال لموسى: إنني استحييت من ربي، فلما قدم عليه الصلاة والسلام حق ربه أكرمه الله جل وعلا وأعطاه ما لم يطلبه، فنادى منادٍ: أن أمضيت أمري فجعلها الله جل وعلا خمس صلوات بأجر خمسين صلاة.
وهكذا الإنسان يتأدب مع ربه تبارك وتعالى، ويعظم حق ربه جل وعلا، ولا يقدم على حق الله تبارك وتعالى حق أحد، وكلما كان الإنسان عظيم الصلة بربه، مقدماً حق الله جل وعلا على كل مطالبه نال أرفع الدرجات وعالي المنازل، وكما قلت في دروس ولقاءات عديدة إن هذا ميدان يتسابق فيه الصالحون والمقربون، ومن يريد المنازل العالية من أهل الإيمان.