وأما قباء التي ذكرها ابن دقيق العيد هاهنا اختلف في سبب التسمية، والأظهر أنه كان بئراً بهذا الاسم، وقباء يقع في الجهة الجنوبية الغربية قليلاً في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الديار كانت لبني عمرو بن عوف، وتبعد الآن عن المسجد النبوي تقريباً سبعة كيلو مترات.
والنبي صلى الله عليه وسلم أول ما نزل في المدينة نزل إليها؛ لأن المهاجرين الأولين الذين سبقوا النبي صلى الله عليه وسلم بقدومهم إلى المدينة كانوا ينزلون إلى قباء، وأول من نزل فيها أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي، فهذا أول المهاجرين، وهو أول ما وصل إلى المدينة وصل إليها، وظاهر الطريق أنذاك أنه كان شبه لزام على من يأتي إلى المدينة أن يبدأ بقباء؛ لأننا نعلم أن دليل النبي صلى الله عليه وسلم وهو عبد الله بن أريقط في آخر الأمر اخترق بهم وادي ريم، ووادي ريم اليوم خمسين كيلو على طريق الهجرة إلى المدينة، ثم اخترق بهم بطن وادي ريم، ثم أتى نازلاً على قباء.
والطريق الآن كذلك فطريق الهجرة المعمول به حالياً يؤدي إلى مسجد قباء، فـ أبو سلمة بن عبد الأسد كان أول من نزل قباء، وأهل السير والتاريخ والعلم عند الله بصحة السند يقولون: إن أبا سلمة هو أول من يأخذ كتابه بيمينه، كما أن أخاه الأسود بن عبد الأسد أول من يأخذ كتابه بشماله، وهذا الأسود بن عبد الأسد هو الذي أقسم في أول المعركة قبل أن يقتتل الفريقان، أقسم أن يأتي إلى البئر الذي عند النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويشرب دونه أو يهلك، فهلك قتله حمزة وبعض الصحابة قبل أن يصل إلى البئر، لكنه كان قد أقسم، وهذا يدلك على فرط شجاعته، وعلى فرط عناده وكفره وعدم إيمانه بالله ورسوله، فالمشهور أن هذا الرجل هو أول من يأخذ كتابه بشماله، وأخوه -وسبحان من قال:{قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ}[البقرة:٦٠]- هو أول من يأخذ كتابه بيمينه، وهو أول من وصل قباء من المهاجرين على المشهور، وقد يكون قبله واحد أو اثنان، لكن المشهور أن أول من وصل هو أبو سلمة بن عبد الأسد، وقد كان زوجاً لـ أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها، ثم مات عنها شهيداً، ثم تزوجها نبينا صلى الله عليه وسلم.
موضع الشاهد: أن النبي عليه الصلاة والسلام اختط ما كان عليه المهاجرون الأولون، فعندما بدءوا في قباء بدأ صلى الله عليه وسلم بقباء، ونزل عليه الصلاة والسلام في ديار بني عمرو بن عوف.