للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تعظيم السنة النبوية والعمل بها]

وهذا يسوقنا لحديث إلى مسألة بالغة الأهمية وهي تعظيم سنة صلى الله عليه وسلم، يقول عليه الصلاة والسلام: (إلا إني أوتيت القرآن ومثله معه)، فالقرآن والسنة قرينان لا يتفرقان أبداً كلاهما يعضد الآخر، والصحابة رضي الله عنهم رقبوا هذا الأمر فكانوا يعظمون أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقديراته كما يعظمون القرآن، ولا يفرقون بينهما، وهذا هو فعل المؤمن الحق، فالله جلا وعلا يقول: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة:٢٨٥]، فالإيمان بالرسل تعظيم أقواله وأخذها كأخذ الوحي تماماً صحيحاً أن السنة كلها مندرجة في آية واحدة {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ} [الحشر:٧].

وسنذكر نماذج لتعظيم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لسنة نبيهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقد دخل النبي على علي رضي تعالى عنه وأرضاه وعلى فاطمة -وهي قصة شهيرة في قيام الليل-، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك جاءته فاطمة تطلبه خادماً فقال لها ولـ علي: (ألا أدلكما على خير من ذلك؟ إذا أويتما إلى فراشكما فسبحا الله ثلاثاً وثلاثين، واحمدا الله ثلاثاً وثلاثين، وكبراه أربعاً وثلاثين، فهو خير لكم من خادم)، فـ علي رضي الله عنه أخذ بهذه الوصية النبوية والعظة المحمدية فكان لا يبيت الليل حتى يقولها، فقال له ذات مره بعض المعارضين له: ما نسيتها قط؟ قال: والله ما نسيتها، قال: ولا في ليلة صفين، وليلة صفين ليلة المعركة الشهيرة التي كانت بين معاوية وعلي رضي الله عنهما، فقال علي رضي الله عنه: (والله ما تركتها ولا في ليلة صفين).

فهذا يبين لك الحفاوة التي تحلى بها الأصحاب رضي الله عنهم وأرضاهم سنة نبينهم صلى الله عليه وسلم، بل إنه ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في باب كان في شرقي المسجد قال: لو تركنا هذا الباب للنساء، فسمعه عبد الله بن عمر رضي الله عنه وهو يومئذ شاب في السادسة عشر تقريباً من عمره أو في الثامنة عشر، فـ ابن عمر عُمر حتى تجاوز الثمانين، وكان يسكن المدينة، أي: أنه عاش بعد هذه الوصية النبوية أكثر من ستين عاماً ومع ذلك لم يدخل ابن عمر من هذا الباب عملاً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لو تركنا هذا الباب للنساء)، ولو هنا تفيد الحث وليس أمراً قاطعاً صارماً، فإنه لم يقترن بوعيد ولم يقترن بلعن، وإنما هو أمنية نبوية، فأخذها ابن عمر على أعلى من محاملها مما يبين لك تعظيم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، لأقوال وأفعال نبيهم صلوات الله وسلامه عليه.

فنحن في زمن يجب فيه أن نحي سنة تعظيم أقوال نبينا صلى الله عليه وسلم، وأن نأخذها مع القرآن، وأن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدي: كتاب الله وسنتي)، فالأخذ بالسنة مما يرفع الله جل وعلا بها قدر العبد، ويجعله في موطن شريف وموئل كريم، فمن أراد التوفيق في الدارين والسعادة في الحياتين فليعظم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وترى حولك أحياناً في واقعك كثيراً من الناس الذين ترى عليهم أثر البركة والتوفيق والثبات، فإن قدر لك أن تعيش معهم أياماً وتخالطهم وجدت أنهم يعظمون سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ويعملون بها.

وقد أدركنا أقواماً ولا حاجة للتسمية في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم من مشايخنا وغيرهم يعظمون سنة النبي تعظيماً جليلاً، ويأخذون بها ويتأسون بها، حتى إنني أذكر أنني ذات مرة قدر لي أن أسافر مع أحد أولئك الذين نحسبهم على كثير من الخير فقرأت عليه قصيدة فكان كلما قرأت عليه بيت يقول فيه: إيه، وهذا مأخوذ من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما طلب من بعض الصحابة أن يسمعه شيئاً من أمية بن أبي الصلت، فكان كلما قال ذلك الصحابي بيتاً من الشعر كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إيه، أي: زدني، فهذا الرجل المبارك تلحظ منه إذا تبعت باقي حياته أن فيها توفيقاً وفيها السداد؛ لأنه يأخذ بالسنة.

ويجب ألا يكون دراستنا للسنة إنما هو لحفظ المتون، أو لنطاول بها أقراننا، أو نبحث بها عن صدارة في مجالس الناس، لكن ينبغي أن تكون السنة النبوية هي الواقع المشهود والمنشود المطلوب، فنسعى في تحقيقها ونتأسى بفعله صلى الله عليه وسلم فنقدم ما قدمه الله، ونقدم ما قدمه رسوله صلى الله عليه وسلم، ونفقه الكثير من المعاني الجميلة التي كانت في حياة نبينا صلى الله عليه وسلم، فإن فهم السيرة العطرة والأيام النضرة يساعد كثيراً في أن المرء يتحلى بحلية النبي صلى الله عليه وسلم، ويسير على طريقه وعلى هديه، فيوفق إلى كثير من الأعمال الصالحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>