الأمر الثالث: أن من أعظم المناقب الشوق إلى لقاء الله، والشوق إلى لقاء الله لا يلزم منه تمني الموت، ولا يلزم منه عدم كراهة الموت، لكن المؤمن يبقى في تعظيم لربه وشوق إلى خالقه جل وعلا، وأنبياء الله ورسله ما امتلأت قلوبهم بشيء أعظم من توحيدهم لخالقهم، وإجلالهم لربهم تبارك وتعالى.
فهذا الإجلال العظيم الذي كان يسكن قلوبهم لربهم تبارك وتعالى جعلهم عندما يخيرون قبل أن يموتوا بين الخلد في الدنيا ثم الجنة وبين لقاء الله ثم الجنة أن يختاروا لقاء الله، فكان النبي صلى الله عليه وسلم -على أنه لم يعش طويلاً فقد عاش ثلاثة وستين عاماً- لما خير اختار لقاء الله ثم الجنة؛ شوقاً إلى ربه.
ويجب أن تعلم أيها الأخ المؤمن! أن الله تبارك وتعالى لا تطيب الدنيا إلا بذكره، ولا تطيب الآخرة إلا بعفوه، ولا تطيب الجنة إلا برؤيته، والإنسان إنما يكون له ثقل ميزان وعظيم أجر في أي مكان يذكر الله جل وعلا فيه، والآخرة هولها شديد، والناجون هم من عفا الله عنهم، يقول صلى الله عليه وسلم للصديقة بنت الصديق: لما قالت له: أرأيت إن علمت أي ليلة هي ليلة القدر ماذا أقول فيها قال: (قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)، ولا تطيب الجنة إلا برؤيته تبارك وتعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}[القيامة:٢٢ - ٢٣].
وفي صحيح مسلم من حديث صهيب:(إذا دخل أهل الجنة الجنة، ودخل أهل النار النار نادى منادٍ: يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه، فيقولون: وما هو؟ ألم يثقل موازيننا، ألم يبيض وجوهنا، ألم يجرنا من النار، ألم يدخلنا الجنة؟ فيكشف الحجاب فيرون وجه ربهم تبارك وتعالى، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم هو أعظم ولا أجل من رؤية وجه الله تبارك وتعالى).