فهذا زين العابدين هو الذي قال فيه الفرزدق أبياته الشهيرة لما حج هشام بن عبد الملك في خلافة أبيه، فلما حج رأى الناس عند الطواف إذا رأوا علي بن الحسين يفسحون له كي يستلم الحجر، ويطوف بالبيت على سعته وراحته، فقال مستنكراً: من هذا؟ يريد أن يتجاهله، والعظيم من الناس حتى لو تجاهلته لا يضره، وهو يريد أن يزهد أهل الشام يومئذ فيه، فقال الفرزدق الشاعر رغم أن الفرزدق معروف بفسقه، لكن يجتمع فيه كل أحد صفات خير وصفات شر، والمنصف ينظر إلى هذه وهذه، فقال الفرزدق مجيباً لـ هشام بعد أن استنكر واستفهم مستنكراً من هذا، فقال: هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرمُ هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقي النقي الطاهر العلم وليس قولك من هذا بضائره العرب تعرف من أنكرت والعجم كلتا يديه غياث عم نفعهما يستوكفان ولا يعروهما عدم سهل الخليقة لا تخشى بوادره يزينه اثنان حسن الخلق والشيم ما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم عم البرية بالإحسان فانقشعت عنها الغياهب والإملاق والعدم مشتقة من رسول الله نبعته طابت مغارسه والخيم والشيم هذا ابن فاطمة إن كنت تجهله بجده أنبياء الله قد ختموا فهذه الأبيات قالها الفرزدق الشاعر الأموي المعروف في مدح زين العابدين بن علي، هذا يسوقنا إلى أن محبة آل بيت رسول صلى الله عليه وسلم دين وملة وقربة، وقد قال الفرزدق في هذه القصيدة: من معشر حبهم دين وبغضهم كفر وقربهم منجى ومعتقد والإمام أحمد بن حنبل -إمام أهل السنة في زمانه- لقي ما لقي من العنت من المعتصم الخليفة العباسي، والمعتصم أبوه هارون الرشيد وهو عباسي، وهو ابن عم رسول صلى الله عليه وسلم، فكان الإمام أحمد رحمة الله تعالى عليه من تعظيمه لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رغم ما وجده من سياط المعتصم وعنته وجلده وسجنه له كان يقول: جعلتك في حل؛ لأنني أستحيي أن ألقى نبينا صلى الله عليه وسلم يوم القيامة وبيني وبين أحد أبناء عمومته خصومة، فهذا مثل ونموذج يحتذى في التعامل مع آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نعود فنقول: إن فاطمة التي قال شوقي هنا فيها: أبا الزهراء قد جاوزت قدري كانت أشبه مشية برسول الله صلى الله عليه وسلم، ونبينا صلى الله عليه وسلم قدوة في الخير كله، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب:٢١]، وقد يتعذر على كل أحد أن يجمع كل ما في النبي صلى الله عليه وسلم فهذا محال، لكن نأخذ منه صلى الله عليه وسلم بعض الأشياء قدر الإمكان، فيجتمع فيك بعض الخصائص والفضائل لرسول صلوات الله وسلامه عليه، فهذه فاطمة ابنته من أشد الناس شبهاً بمشية أبيها صلوات الله وسلامه عليه، وكان صلى الله عليه وسلم يحبها حباً جماً، وقد دخلت عليه في يوم وفاته فبشرها بأنها سيدة نساء أهل الجنة، وأخبرها أنه سيموت في مرضه هذا، فلما أخبرها أنه سيموت في مرضه هذا بكت، فلما أخبرها بأنها سيدة نساء أهل الجنة سرت رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
وفاطمة رضي الله عنها وأرضاها أخبرها النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه أنها أول أهله لحوقاً به، وهذا سيأتي بيانه في قضية الغيب في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فلا نعجل في أمر لنا فيه أناة.