بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأرض والسماوات، وأشهد أن سيدنا ونبينا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره، وتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الإخوة المشاهدون! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فهذا لقاء متجدد من لقاءاتنا الموسومة بالمدائح النبوية، وقد مرت معنا لقاءات تبين من خلالها المنهج الذي نسير عليه، فنعرض بعض القصائد التي قيلت في مدح النبي صلى الله عليه وسلم فنختار منها أبياتاً، ثم نزدلف من تلك الأبيات إلى بيان ما في الأيام النضرة والسيرة العطرة مما يمكن أن ننهل ونستقي منه.
والقصيدة التي نختارها اليوم هي للدكتور ناصر الزهراني عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى، أي: أن القصيدة من الشعر العربي الحديث المعاصر.
وهذه القصيدة نظمها قائلها في ثلاثة وستين بيتاً، وأراد أن تكون القصيدة بعمر نبينا صلوات الله وسلامه عليه، وقد أخذت القافية الميمية، وهي من روائع ما قيل في مدح نبينا صلى الله عليه وسلم.
وسنختار في هذا اللقاء أبياتاً، ونختار في لقاءات أخر أبياتاً أخرى منها.
قال الدكتور ناصر الزهراني في مدح النبي صلى الله عليه وسلم: تعجب الخلق من دمعي ومن ألمي وما دروا أن حبي صغته بدمي أستغفر الله ما ليلى بفاتنتي ولا سعاد ولا الجيران في أضم لكن قلب بنار الشوق مضطرم أف لقلب جمود غير مضطرم منحت حبي خير الناس قاطبة برغم من أنفه لا زال في الرغم يكفيك عن كل مدح مدح خالقه واقرأ بربك مبدأ سورة القلم شهم تشيد به الدنيا برمتها على المنابر من عرب ومن عجم أحيا بك الله أرواحاً قد اندثرت في تربة الوهم بين الكأس والصنم نفضت عنها غبار الذل فاتقدت وأبدعت وروت ما قلت للأمم ربيت جيلاً أبياً مؤمناً يقظاً حثوا شريعتك الغراء في نهم محابر وسجلات وأندية وأحرف وقواف كن في صمم فمن أبو بكر قبل الوحي من عمر ومن علي ومن عثمان ذو الرحم من خالد من صلاح الدين قبلك من مالك ومن النعمان في القمم من البخاري ومن أهل الصحاح ومن سفيان والشافعي الشهم ذو الحكم من ابن حنبل فينا وابن تيمية بل الملايين أهل الفضل والشمم من نهرك العذب يا خير الورى اغترفوا أنت الإمام لأهل الفضل كلهم ينام كسرى على الديباج ممتلئاً كبراً وطوِّق بالقينات والخدم لا هم يحمله لا دين يحكمه على كئوس الخنى في ليل منسجم أما العروبة أشلاء ممزقة من التسلط والأهواء والغشم فجئت يا منقذ الإنسان من خطر كالبدر لما يجلي حالك الظلم أقبلت بالحق يجتث الضلال فلا يلقى عدوك إلا علقم الندم أنت الشجاع إذا الأبطال ذاهلة والهندواني في الأعناق واللمم فكنت أثبتهم قلباً وأوضحهم درباً وأبعدهم عن ريبة التهم بيت من الطين بالقرآن تعمره تباً لقصر منيف بات في نغم طعامك التمر والخبز الشعير وما عيناك تعد إلى اللذات والنعم تبيت والجوع يلقى فيك بغيته إن بات غيرك عبد الشحم والتخم لما أتتك قم الليل استجبت لها العين تغفو وأما القلب لم ينم تمسي تناجي الذي أولاك نعمته حتى تغلغلت الأورام في القدم أزيز صدرك في جوف الظلام سرى ودمع عينك مثل الهاطل العمم الليل تسهره بالوحي تعمره وشيبتك بهود آية استقم صلوات الله وسلامه عليه.
هذه بعض من أبيات الشيخ الدكتور ناصر الزهراني في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وسنقف عند بعض أبياتها.
سنقف عند قوله: الليل تسهره بالوحي تعمره وشيبتك بهود آية استقم وقبلها قال: لما أتتك قم الليل استجبت لها تنام عينك أما القلب لم ينم قيام الليل منقبة من أعظم مناقب الصالحين، قال الله جل وعلا:{كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ}[الذاريات:١٧].
وقال جل وعلا:{يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}[الفرقان:٦٤]، والنبي صلى الله عليه وسلم عندما أنزل عليه الملك أول الأمر وجاءه التكليف السماوي بهذه الرسالة العالمية السماوية؛ نزل يضطرب فؤاده وتتسابق رجلاه حتى وصل إلى بيت خديجة، والخائف دائماً يحتاج إلى شيء ثقيل عليه حتى يسكن، فلما دخل بيته قال:(دثروني دثروني)، والعرب تسمي الثياب الملاصقة للبدن شعاراً، وما زاد تسميه دثار، والنبي قطعاً عليه الصلاة والسلام لما قدم إلى خديجة كان عليه ثياب، لكنه كان يجد في نفسه رجفة لهول ما رأى، فأخذ ينادي:(دثروني دثروني) يريد شيئاً ثقيلاً على بدنه، لعله يسكن، فدثرته خديجة، فقال:(زملوني زملوني)، وهو نفس المعنى السابق، فزملته خديجة رضي الله عنها وأرضاه، فناداه ربه:{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}[المدثر:١]، وهذا قيام بالتكليف، وقد قال بعضهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم نبئ باقرأ وأرسل المدثر، وقال:(زملوني زملوني)، فأنزل الله عليه:{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}[المزمل:١]، وهذا ليس اسماً للنبي صلى الله عليه وسلم، وإنما نداء له، بالصفة المتلبس بها، كما سمى النبي صلى الله عليه وسلم علياً: أبا تراب؛ لأنه نام واضطجع على التراب رضي الله عنه.