قال صلى الله عليه وسلم:(من توضأ في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه ركعتين كان له كأجر عمرة)، فالصلاة فيه تعدل أجر عمرة بنص الخبر الصحيح عن نبينا صلى الله عليه وسلم.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء كل سبت ماشياً أو راكباً، وقول الراوي:(كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي قباء كل سبت) يحتمل معنيين: إما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم يأتي قباء كل يوم سبت من كل أسبوع، وإما أن يكون الراوي قد قصد بكلمة السبت كلمة الأسبوع، أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم له يوم في الأسبوع يأتي فيه إلى قباء، والقول أنه يأتيه في يوم السبت تحديداً أظهر في المعنى، وأقرب إلى ظاهر اللفظ، لكن يبقى البحث عن العلة، لماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوخى يوم السبت في أن يأتي فيه إلى مسجد قباء؟ أحسن ما قيل في التعليل في هذه القضية أن تعرف أصل المسألة، ما أصل المسألة.
إن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن في زمنه مسجد يقام فيه الجمعة إلا مسجده، فالجمعة في المدينة لم تكن تقام إلا في المسجد النبوي، أي: أن هناك جمعة واحدة فقط، وهذا يلزم منه أن أهل قباء يأتون إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ويصلون معه الجمعة، ومن هنا قال العلماء: إن تفقد النبي صلى الله عليه وسلم لأهل قباء، وإتيانه المسجد كل سبت، المقصود منه: زيارة المسجد، وفي نفس الوقت أنه صلى الله عليه وسلم يتفقد من لم يصل الجمعة معه من أصحابه، وهذا هو الأظهر والأليق وهو حمل العلة عليه صلى الله عليه وسلم، وهو يتفق تماماً مع ما عرف عن نبينا صلى الله عليه وسلم من وفاء، وما كان يتحلى به صلوات الله وسلامه عليه، من الشفقة والحدب على أصحابه والسؤال عنهم، رضي الله عنهم وأرضاهم.
وهنا يأتينا
السؤال
قلنا: إن الجمعة لم تكن تقام إلا في مسجده صلى الله عليه وسلم، فهل كانت هناك جمعة أخرى على وجه الأرض؟
و
الجواب
كانت هناك جمعة أخرى بعد الهجرة بسنتين تقريباً، وقد أقيمت في جوافا، وجوافا بالفتح أو جوافا بالضم هي الآن في إقليم الأحساء من المملكة العربية السعودية، أي: في الشرق من أقاليم المملكة العربية السعودية، وهي بجوار مدينة الهفوف، فالجمعة في جوافا هي ثاني جمعة أقيمت في الإسلام، ويوجد هناك مسجد شبه مهجور، وهو مهدوم، وقد مررت عليه في إحدى أسفاري، لكن لا تقام فيه صلاة الآن، ونحن نهيب بالمسئولين في وزارة الشئون الإسلامية أن يحاولوا إعادة بناء المسجد، وأن يحيى؛ لكونه ثاني مسجد في الإسلام أقيمت فيه صلاة الجمعة.
ومكث النبي صلى الله عليه وسلم في قباء أياماً، فالنبي عليه الصلاة والسلام ولد يوم الإثنين، ونبئ يوم الإثنين، وهاجر من مكة يوم الإثنين، ومكث في الطريق خمسة عشر يوماً، ودخل المدينة يوم الإثنين، دخلها صلى الله عليه وسلم في قباء، ومكث في قباء على الصحيح الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة، خمسة أيام، والجمعة قبل الزوال خرج صلى الله عليه وسلم من قباء فأدركته الجمعة غير بعيد عن مسجد قباء، وليوم هناك مسجد موجود مقام مشيد وسعه الملك فهد رحمه الله، وتقام فيه الصلوات الخمس، وقد عرف بمسجد الجمعة، هذا المسجد صلى فيه صلى الله عليه وسلم أول جمعة في المدينة.
ومن هذا يتحرر علاقة النبي صلى الله عليه وسلم بالمساجد التي في المدينة، وبلا ريب أن أكثر علاقة له صلى الله عليه وسلم كانت بمسجده، وقد تكلمنا عن الروضة الشريفة، وذكرنا حدودها في حلقة مضت.