للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الضابط في تقديم الجن على الإنس في القرآن والعكس]

وشوقي أغفل هنا مسألة منع الله جل وعلا للجن أن يسترقوا السمع قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حماية للقرآن، فالجن ما علاقتهم بنبينا صلى الله عليه وسلم؟ نحاول في هذا اللقاء أن نتكلم عن السيرة من هذا الوجه.

إن الجن أحد عقلاء ثلاثة خلقهم الله: الملائكة، والجن، والإنس.

وقد ذكرهم الله جل وعلا في القرآن، فتارة يقدم الإنس وتارة يقدم الجن، والتقديم بحسب السياق، فعندما يذكر الله القوة فإنه يقدم الجن، قال الله جل وعلا: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن:٣٣]، وذكر جل وعلا جند نبي الله سليمان فقال تباركت أسماؤه وجل ثناؤه: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} [النمل:١٧]، لكن لما تكلم الله جل وعلا عن البلاغة والفصاحة وهي في الإنس أكثر قدم الإنس، قال الله جل وعلا: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} [الإسراء:٨٨]، ولما أراد الله أن يتكلم عن بداية الخلق قدم الجن، فقال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦]، أو أن التقديم والتأخير له ضوابطه في القرآن، الجن بالنسبة لنا بني آدم عالم غيبي؛ ولهذا اشتق من الجن، من الفعل جن الذي يعني الاستتار، ولهذا تسمى الجنة جنة؛ لأنها لم تر، ويسمى الحمل في بطن أمه جنيناً لأنه لا يرى، والله يقول عن خليله إبراهيم: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ} [الأنعام:٧٦] أي: أظلم وأصبح لا يُرى.

وهؤلاء الجن كتب الله قدراً أنهم يروننا ولا نراهم، {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف:٢٧].

وهم أسبق منا خلقاً، قال الله: {وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ} [الحجر:٢٧]، فهذا كله إلى الآن كلام عام لا علاقة له بالسيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>