فنقول: لما اشتد به المرض صلوات الله وسلامه عليه أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، فكأن عائشة رضي الله عنها كرهت أن يتشاءم الناس بأبيها، فاعتذرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم قائلة: إن أبا بكر رجل أسيف، فقال صلى الله عليه وسلم:(إنكن صواحب يوسف، أو تظهرن ما لا تخفين)، ثم بعد ذلك صلى أبو بكر بالناس والنبي صلى الله عليه وسلم في حجرته حتى دنت ساعة الرحيل، وكان ذلك ضحى يوم الإثنين يوم الإثنين من شهر ربيع الأول في صلاة الفجر، وهي آخر صلاة صلاها الصحابة رضي الله تعالى عنهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم، فكان أبو بكر يصلي بالناس فإذا بهم يفاجئون أن الستارة التي ما بين الحجرة التي فيها نبينا صلى الله عليه وسلم وبين المسجد تكشف، ونبينا صلى الله عليه وسلم يطل على أصحابه يتهلل وجهه كأنه ورقة مصحف، ففرح الصحابة واستبشروا، فقرت عينه صلى الله عليه وسلم أن رآهم مجتمعين على الصلاة، ثم عاد إلى فراشه وبدأ المرض يتفاقم، فدخل عليه صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد حبه وابن حبه، فطلب أسامة من رسول الله أن يدعو له، فرفع يديه يدعو، وخرج أسامة، فدخلت فاطمة ابنته فقربها منه وأخبرها أن جبريل كان يراجعه القرآن كل عام مرة، وأنه راجعه القرآن في هذا العام مرتين، وقال:(ولا أراه إلا قرب أجلي)، ثم أخبرها أنه سيموت في مرضه هذا، وأنها أول أهله لحوقاً به، فبكت، ثم أخبرها وسارها أنها سيدة أهل الجنة فرضيت وضحكت وخرجت من عنده، ثم دخل عليه عبد الرحمن بن أبي بكر أخو عائشة وفي يد عبد الرحمن سواك، فأخذ صلى الله عليه وسلم يحدق النظر إلى السواك، ففهمت عائشة مراده، فأخذت السواك من أخيها بعد أن أشارت إليه هل تريده فأشار برأسه أن نعم، وقضمت السواك وطيبته فاستاك به صلى الله عليه وسلم، ثم ضمته عائشة إلى سحرها ونحرها، وثقل صلى الله عليه وسلم عليها فسمعته وهو يردد:(مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، ثم قال: بل الرفيق الأعلى قالها ثلاثاً)، ثم مالت يده وفاضت روحه إلى أعلى عليين في المحل الأسنى والملكوت الأعلى صلوات الله وسلامه عليه.