لقد نصر أبو طالب النبي صلى الله عليه وسلم وقد عمر أكثر من ٨٠ عاماً، فنصر النبي صلى الله عليه وسلم نصراً مؤزراً، ومن أعظم الدلائل على أن هذا الرجل أشرب حب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان في الشعب إذا جاء الليل واتخذ صلى الله عليه وسلم مكاناً ينام فيه ونام بقية من في الشعب، يقوم أبو طالب في الليل فيحمل النبي صلى الله عليه وسلم من مرقده ويأتي بأحد أبنائه فيضعه مكانه؛ حتى إذا بيت أحد أن يقتل النبي صلى الله عليه وسلم ويغدر به وهو نائم فإنه سيغدر بابن أبي طالب ولا يغدر بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا ينبئك عن عظيم المحبة التي كان يكنها أبو طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا غروا بعد ذلك أن يشفع النبي صلى الله عليه وسلم له يوم القيامة في أن يكون أهون أهل النار عذاباً.
نعود إلى أبي طالب ولاميته، فلما قال أبو طالب: جزى الله عنا عبد شمس ونوفلاً عقوبة شر عاجل غير آجل إنما كان يقصد أنه كان يرغب ويتمنى من أبناء عمومته أن يقفوا نصراء يحمون ويدافعون معه عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الأمر لم يكن كما توقع، وأبو طالب كان يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم على الحق، وله في ذلك نونية منها: ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحاً بذاك مبينا لكن كتب الله جل وعلا له ذلك، فكان أبو طالب يمثل أعظم نصير وظهير للنبي صلى الله عليه وسلم من الخلق خارج البيت النبوي، في حين كانت خديجة كما بينا تمثل أعظم نصير داخلي له صلى الله عليه وسلم، فلما رأت قريش أن النبي صلى الله عليه وسلم في حمى عمه اشتد أذاها على أصحابه، وقل أذاها عليه صلوات الله وسلامه عليه، ثم فجع صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بموت أبي طالب.