[لقاؤه صلى الله عليه وسلم للأنبياء]
وأما قضية مقابلته صلى الله عليه وسلم للأنبياء: فآدم هو أبو البشر وإليه ينسبون، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن قد رأى آدم من قبل، قال: رأيت رجلاً عن يمينه أسودة وعن شماله أسودة، وآدم أعطاه الله جل وعلا خصائص لم تعط لأحد غيره، منها: أن الله تبارك وتعالى خلقه بيده، وأن الله تبارك وتعالى نفخ فيه من روحه، وأن الله تبارك وتعالى أسجد له ملائكته، فهذه عطايا لم يعطها الله أحداً من خلقه، لكن قد يوجد في المفضول ما لا يوجد في الفاضل، وهو نبي مكلم، والنبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي ذر سئل: (عن أبينا آدم أكان نبياً؟ قال: نعم نبي مكلم).
فلما هو نبي في ذلك الوقت منّ الله عليه بأن كلمه، هذا هو أبونا الذي نسبنا الله إليه: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} [الأعراف:٣١] إلى غير ذلك من الآيات التي جاء القرآن فيها يخاطبنا بنسبتنا إلى أبينا آدم، {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الإسراء:٧٠].
وذكر النبي صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء والمعراج أنه رأى ابني الخالة: يحيى بن زكريا وعيسى ابن مريم، فـ مريم عليها السلام هي أم عيسى، وكانت لها أخت، هذه الأخت تزوجها زكريا ثم بعد ذلك كفل مريم، وجاء من زكريا يحيى عليه السلام، ويحيى له خصيصة على الأنبياء جميعاً ليست لغيره، وهي أن الله سماه، وهذه خصيصة له لم يعطاها أحد غيره، قال الله تعالى: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} [مريم:٧].
وعيسى ابن مريم مر معنا خبره في لقاء سابق عند حديثنا عن قول الأعشى: نبي يرى ما لا ترون وذكره أغار لعمري في البلاد وأنجدا وفي السماء الثالثة وجد صلى الله عليه وسلم أخاه يوسف، قال: فإذا أنا برجل أعطي شطر الحسن، والألف واللام في الحسن إما أن تعود إلى معهود لفظي، أو تكون لاستغراق الحسن، ويبعد أن تكون لاستغراق الجنس، ولم يأت معهود لفظي، ولم يبقى إلا المعهود الذهني، والمعهود الذهني هنا هو أن الله جل وعلا خلق آدم على أكمل صورة؛ لأن الله خلق آدم بيده، فكان المقصود من قوله صلى الله عليه وسلم أن يوسف أعطي شطر الحسن، أي: أن جمال يوسف عليه السلام على الشطر والنصف من جمال أبينا آدم عليهما السلام.
وفي السماء الرابعة لقي صلى الله عليه وسلم أخاه أدريس، وقد أشار الله إلى رفعة إدريس في قوله تبارك وتعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مريم:٥٦ - ٥٧].
في السماء الخامسة لقي صلى الله عليه وسلم شقيق موسى هارون بن عمران المحبب في قومه.
وفي السماء السادسة لقي أخاه موسى، وموسى أحد أولي العزم من الرسل، وأولوا العزم من الرسل خمسة: نوح وإبراهيم ومحمد وعيسى وموسى عليهما جميعاً أفضل الصلاة والسلام.
ولما جاوز النبي صلى الله عليه وسلم موسى بكى، فقيل لموسى -والله أعلم بمن قال له-: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلاماً بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخل من أمتي، وهذا المقصود منه الغبطة والتنافس المحمود بين الأنبياء، وإلا محال أن يكون في قلب موسى شيء من الحسد، فموسى عليه الصلاة والسلام نبي مكلم وهو بمنزلة عالية، والله جل وعلا قال في حقه: {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الأعراف:١٤٤]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (رحم الله أخي موسى؛ لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر) يبين علو منزلة موسى.
وفي السماء السابعة لقي النبي صلى الله عليه وسلم أباه إبراهيم، فلما أن لقيه تعجب من شدة الشبه بينهما، قال: ما رأيت أحداً أشبه بصاحبكم منه ولا منه بصاحبكم، قلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أبوك إبراهيم، ونلحظ أن آدم وإبراهيم فقط هم اللذان قالا: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح، أما بقية الأنبياء فكلهم قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح، ففهم العلماء من هذا أن أدريس ويحيى وعيسى ويوسف وهارون وموسى هؤلاء الذين لقيهم النبي صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء والمعراج ليس أحدٍ منهم في عمود نسبه النبي صلى الله عليه وسلم باستثناء إبراهيم وآدم.
فإبراهيم قطعاً في عمود نسبه النبي صلى الله عليه وسلم، وآدم أبو البشرية جميعاً، هذه فائدة.