والذي يعنينا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ناداه ربه:{قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا}[المزمل:٢] كان صلى الله عليه وسلم يقوم الليل ويحييه، إلا أنه من مجمل ما دل عليه قيامه في الليل أنه لم يقم صلى الله عليه وسلم ليلة بأكملها، وقد كان صلوات الله وسلامه عليه في العشر الأواخر من رمضان كان يحيي الليل كله، فيجمع ما بين الصلاة، وتلاوة القرآن، والذكر والتسبيح، كما تقول عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، فقيام العبد بين يدي ربه في الليل منقبة جليلة كان الصالحون قبلنا من لدن آدم وسيبقون إلى أن تقوم الساعة يحيون الليل بعضه أو كله، والنبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى قيام داود، فقال عليه الصلاة والسلام:(أحب الصيام إلى الله صيام داود، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود)، ثم فصل هذا الإجمال فقال:(كان يصوم يوماً ويفطر يوماً)، فهذا صيامه عليه الصلاة والسلام، أي: صيام داود، ثم قال في الصلاة:(كان ينام نصف الليل -أي داود-، ويقوم ثلثه، وينام سدسه).
الصلاة إذا كانت بين منامين، يعني: نام الرجل في الليل ثم استيقظ فصلى، ثم عاد فاضطجع قبل الفجر، فهذه التي تسمى ناشئة الليل على أظهر أقوال أهل العلم، وهي المقصودة بقول الله جل وعلا في سورة المزمل:{إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا}[المزمل:٦]، فتحرر من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل ويحييه لربه تبارك وتعالى.
وسيأتي إن شاء الله تعالى تفصيلاً ما ورد في كيفية صلاته صلوات الله وسلامه عليه وقيامه، مما يمكن للمرء أن يستن به بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
فمن حيث الإجمال كان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة، كما كان عليه الصلاة والسلام يقول في سجوده -لما سمعته عائشة -: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك)، جاء هذا في حديث صحيح، فهذا كله يندرج في إجمالنا لقيام ليل رسولنا صلى الله عليه وسلم.