بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه، وأحكم كل شيء صنعه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا رب غيره، ولا شريك معه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الإخوة المباركون والأخوات المباركات! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا لقاء متجدد معكم حول لقاءاتنا الموسومة بالمدائح النبوية، هذه اللقاءات التي نجعل فيها من القصائد التي قيلت في مدح سيد الخلق وأشرفهم صلى الله عليه وسلم سبيلاً وطريقاً وتوطئة لنا في الحديث عن سيرته العطرة وأيامه النضرة، وفي أيام سبقت ولقاءات خلت تحدثنا عن ميمية البوصيري رحمه الله التي فتح بها باباً واسعاً للشعراء في معارضتها، فيقول كل منهم ما يفتح الله به عليه في مدح سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه، ونبهنا حينها إلى أن أمير الشعراء في هذا العصر أحمد شوقي رحمه الله كان من أكثر من برع في معارضة ميمية البوصيري ميمية الشعرية: ريم على القاع بين البان والعلم وهذه ميمية التي سنختار أبياتاً منها هي إحدى قصائد ثلاث نبهنا سابقاً إلى أن شوقي قالها في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي: البائية ومطلعها: سلوا قلبي غداة سلا وثابا والهمزية ومطلعها: ولد الهدى فالكائنات ضياء والميمية التي هي محور حديثنا في هذه الليلة.
قال شوقي رحمه الله: ريم على القاع بين البان والعلم أحل سفك دمي في الأشهر الحرم رمى القضاء بعيني جؤذر أسداً يا ساكن القاع أدرك ساكن الأجم لما رنا حدثتني النفس قائلة يا ويح جنبك بالسهم المصيب رمي جحدتها وكتمت السهم في كبدي جرح الأحبة عندي غير ذي ألم يا لائمي في هواه والهوى قدر لو شفك الوجد لم تعذل ولم تلم وظللته فكانت تستظل به غمامة جذبتها خيرة الديم أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكه والرسل في المسجد الأقصى على قدم لما رأوك به التفوا بسيدهم كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم صلى وراءك منهم كل ذي خطر ومن يفز بحبيب الله يأتمم جبت السماوات أو ما فوقهن بهم دجى على منورة درية اللجم ركوبة لك من عز ومن شرف لا في الجياد ولا في الأينق الرسم حتى بلغت سماء لا يطار لها على جناح ولا يسعى على قدم مشيئة الخالق الباري وصنعته وقدرة الله فوق الشك والتهم ذكرت باليتم في القرآن تكرمة وقيمة اللؤلؤ المكنون في اليتم الله قسم بين الخلق رزقهم وأنت خيرت في الأرزاق والقسم إن قلت في الأمر لا أو قلت فيه نعم فخيرة الله في لا منك أو نعم أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرمم جاء النبيون بالآيات فانصرمت وجئتنا بحكيم غير منصرم آياته كلما طال المدى جدد يزينهن جلال العتق والقدم شريعة لك فجرت العقول بها عن زاخر من صنوف العلم ملتطم يلوح حول سنا التوحيد جوهرها كالحلي للسيف أو كالوشي للعلم واترك رعمسيس إن الملك مظهره في نهضة العدل لا في نهضة الهرم هذه بضع أبيات اخترناها لكم من ميمية شوقي رحمه الله تعالى، وغني عن القول أن شوقي كان يملك مقوداً عظيماً في البيان، ولم يكن هناك غرابة أن يبايعه أهل عصره على إمرة الشعر، وحسن منه أن سخر بلاغته وبيانه كثيراً في بيان خصائص وصفات نبينا صلى الله عليه وسلم، وأنت لو قلبت ديواناً للمتنبي مثلاً الذي يعده الكثير جزافاً شاعر العربية الأول لا تجد فيه قصيدة واحدة يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه وصمة عار عليه وعلى شعره، وأما شوقي رحمه الله فقد استغل قدرته الشعرية وما آتاه الله جل وعلا من مقود البيان، فجعل كثيراً من قصائده بل صاغ ثلاث درر كلهن في مدح سيد الخلق صلى الله عليه وسلم.