للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[استئثار الله تعالى بالبقاء والكمال]

هذه بعض الأبيات قالها حسان رضي الله تعالى عنه في رثاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث عن وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث عن مصاب عظيم وخطب جلل، لكننا سنحاول قدر الإمكان أن نقدم لك أيها المبارك وأيها الأخت المباركة ما يمكن أن ننهله من زاخر المعاني في هذا المقطع من السيرة من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقول وبالله التوفيق: أولاها: أن الله جل وعلا استأثر بالكمال لنفسه وكتب النقص على عباده، فقال وهو أصدق القائلين: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن:٢٦]، وقال جل ذكره وتباركت أسماؤه: {وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:٨٨]، وقال جل ذكره: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران:١٨٥]، وقال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران:١٤٤]، فنبينا صلى الله عليه وسلم هو أشرف الخلق وأجلهم لكنه مع ذلك كتب الله عليه الموت كما كتب الله الموت على كل أحد، فالله جل وعلا هو الحي حياة لم يسبقها عدم ولا يلحقها زوال، كما أن علمه جل وعلا علم لم يسبقه جهل ولا يلحقه نسيان، {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى} [طه:٥٢]، وقال جل وعلا هو الحي لا إله إلا هو: {فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [غافر:٦٥]، وقال تباركت أسماؤه: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ} [الفرقان:٥٨]، فالله جل وعلا هو الحي، والحي حين لا حي، فالموت أذل الله جل وعلا به خلقه، وكتبه تبارك وتعالى على عباده، قال الله جل وعلا مستفتحاً سورة الملك: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك:١ - ٢]، قال بعض أجلاء المفسرين: قدم الله جل وعلا ذكر الموت على ذكر الحياة حتى يذل عباده ويخبر جل وعلا أنه المالك القهار الواحد الذي لا رب غيره ولا إله سواه، فهذا مما يشترك فيه الخلق أجمعون ومنهم نبينا صلوات الله وسلامه عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>