وسنقف هنا وقفات متعددة مع هذه الميمية عبر لقاءين متتابعين، ونبدأ بالأيسر.
يقول شوقي: وظللته فكانت تستظل به غمامة جذبتها خيرة الديم إن الشعر يا أخي صنعة، والمعاني -كما يقول الجاحظ - مطروحة في الطريق، لكن الإنسان إذا قدر على صياغة تلك المعاني الشهيرة بين الناس عبر ألفاظ ممزوجة بماء الشعر فإن من يسمعها يطرب لها لكنه يعجز أن يقولها، فهذه هي حقيقة الشعر، إلا أننا نرى أن شوقي ههنا وفق للمعنى ووفق للفظ، فأخذ الصناعة من بابها كله، فهو يقول: وظللته: يقصد النبي صلى الله عليه وسلم، وكون أن الغمامة ظللته عليه الصلاة والسلام هذا مشهور معروف ذكره أهل السيرة ومن دونوا تاريخ نبينا صلى الله عليه وسلم، لكن انظر كيف تعامل شوقي مع هذا الحديث التاريخي المكتوب الذي نقرأه جميعاً، فقال: وظللته، أي: النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم عكس الوضع، فقال: فكانت تستظل به غمامة جذبتها خيرة الديم فهو يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم أشد عطاء وأكثر سخاء من عطاء السحاب، فهذه السحابة في الأصل بدأت مظللة، لكنها ما لبثت أن أصبحت هي تستظل به صلوات الله وسلامه عليه، وهذا معنى ذا شأو بعيد يبين لك القدرة الشعرية، وهذا القول قد لا يكون مقبولاً في أطراف الناس وأحادهم، لكنه بلا مرية وبلا شك مقبول في سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، وقد مضى معنا مراراً أن الله جل وعلا زكاه، ونحن نعلم أن الشعراء إذ يمدحون نبينا صلى الله عليه وسلم، فإن النبي عليه الصلاة والسلام يكفيه ثناء الله عليه، لكن ثمة أفعال وثمة أقوال تزيدنا نحن القائلين بها شرفاً، وإلا فهي في ذاتها لا تزيد من قدمت له شيئاً، اللهم إلا أن يكون أمراً تعبدياً محضاً، فقد تعبدنا الله جل وعلا بالصلاة على نبينا صلى الله عليه وسلم، ونحن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بما آتاه الله من فضل هو غني عن صلاتنا عليه؛ لأن الله يقول وقوله الحق:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}[الأحزاب:٥٦] ثم قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[الأحزاب:٥٦]، فما صلاتنا على النبي صلى الله عليه وسلم إلا أجر يزيد عندنا وحسنات تتضاعف لنا، وإلا فهو صلى الله عليه وسلم ليس في حاجة لأن يصلي أحد عليه؛ لأن الله جل وعلا قد أكرمه من قبل، لكن فيها من عظيم الذكر وجليل العطاء وكبير المنحة من ربه تبارك له، صلى الله عليه وسلم.