أما ما تسمعه يا أخي عن مسجد القبلتين، فالمدينة كانت عامرة تغص بالأنصار: الأوس والخزرج، وكانت ديار بني سلمة إلى الشمال الغربي من مسجده صلى الله عليه وسلم، وكان لهم مسجد يصلون فيه، واستأذنوا النبي عليه الصلاة والسلام أن يدنوا من المسجد النبوي، فقال صلى الله عليه وسلم:(يا بني سلمة دياركم) أي: الزموا دياركم، (تكتب آثاركم)، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في أول نزوله المدينة يصلي جهة الشام ستة عشر شهراً، حتى نزل قول الله جل وعلا:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}[البقرة:١٤٤]، فتغيرت القبلة من الشمال إلى الجنوب، فذهب رسول من النبي صلى الله عليه وسلم يخبر بني سلمة بتغير القبلة، فجاءهم وهم يصلون الظهر أو العصر، والأظهر أنها كانت صلاة العصر، فجاءهم وهم يصلون إلى جهة الشمال؛ لأن بيت المقدس في الشام شمال المدينة، فأخبرهم وهم يصلون أن القبلة قد انتقلت إلى مكة، فلما قال لهم: إن القبلة توجهت إلى الكعبة عرفوا أنهم سيتجهون جنوباً، فتغيروا، فتقدم إمامهم وتأخر مأمومهم، وأصبحوا يصلون جهة الجنوب.
إذاً في صلاة واحدة جمع الأخيار من الأنصار من بني سلمة الصلاة إلى قبلتين، فأول الصلاة كان إلى جهة الشام، وآخر الصلاة كان إلى جهة الكعبة؛ لهذا سمي هذا المسجد بمسجد القبلتين، وإلا فقباء والمسجد النبوي ومسجد بني عبد الأشهل، كل هذه المساجد التي كانت موجودة قبل التحويل اتجهت قبلتها إلى القبلتين، فالمسجد النبوي كانت قبلته شمالاً وحولت جنوباً، ومسجد قباء كانت قبلته شمالاً وحولت جنوباً، وكذلك غيرهما من المساجد، لكن سمي مسجد بني سلمة مسجد القبلتين؛ لأن أهله في فريضة واحدة صلوا إلى القبلتين شمالاً إلى الشام، وجنوباً إلى الكعبة حيث استقر الأمر، {وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}[البقرة:١٤٤].