ذكر شوقي في الحكم أن الإنسان كلما فقد الكثير من الأحبة كان ذلك أكثر تجربة في نفسه في أن يحكم على الناس، ولذلك قال: ولا ينبيك عن خلق الليالي كمن فقد الأحبة والصحابا فهل أراد شوقي أن يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم جرب بفقد الأحبة؟ سواء قصده شوقي أو لم يقصده فإن السيرة تدل على ذلك، فنبينا صلى الله عليه وسلم كان له ابنان القاسم وعبد الله، وأربع بنات: رقية وأم كلثوم وزينب وفاطمة، ثم ولد له بعد هؤلاء الستة إبراهيم فأضحوا سبعة، وكلهم توفوا في حياته صلى الله عليه وسلم إلا فاطمة كما سيأتي الحديث عنها تفصيلاً.
فالنبي صلى الله عليه وسلم أعظم من جرب فقد الأحبة، فهو عليه الصلاة والسلام لم تكتحل عيناه أصلاً برؤية أبيه عبد الله بن عبد المطلب، إذ على الصحيح أن عبد الله بن عبد المطلب والد النبي صلى الله عليه وسلم توفي والنبي صلى الله عليه وسلم حمل في بطن أمه، وأمه آمنة بنت وهب عاش معها صلى الله عليه وسلم ست سنين فأدرك من ذلك عاطفتها، فحق له بعد ذلك أن يقف على قبرها ويقول:(إنني استأذنت ربي بأن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنت أن أزورها فأذن لي، فبكى صلى الله عليه وسلم، فبكى الصحابة لبكائه، فلم ير باكياً أعظم منه).
قال شوقي رحمه الله تعالى: أبا الزهراء قد جاوزت قدري لمدحك بيد أن لي انتسابا يقصد الانتساب للملة.
فما عرف البلاغة ذو بيان إذا لم يتخذك له كتابا مدحت المالكين فزدت قدراً فلما مدحتك اقتدت السحابا