بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى، فجعله غثاء أحوى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره، واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الإخوة المشاهدون والمشاهدات! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هذا لقاء متجدد من لقاءاتنا الموسومة بالمدائح النبوية، فنحن في البرنامج العالمي للتعريف بنبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، هذا البرنامج الذي له أنشطته المتعددة في التعريف بسنة محمد صلى الله عليه وسلم، والذب عنها، ونشر فضائله وذكر مناقبه، إنما يجعله من هذه اللقاءات الموسومة بالمدائح النبوية أحدى الطرائق للقيام بواجب أو بعض الواجب نحو سنة نبينا صلى الله عليه وسلم.
وسنقف في هذا اليوم مع معارضة البارودي، والبارودي هو محمود سامي البارودي، وهو حامل لواء تجديد الشعر في العصر الحديث، ورغم أن البارودي كان رجلاً عسكرياً إلا أن الله جل وعلا منحه قدرة أدبيه فذة، وكان على يديه تجديد وبعث الشعر من جديد في العصر الحديث، وله في فن المعارضات باع طويل، ونظافة المحافظين كما يقول أهل الصناعة الأدبية، ثم حمل لواءها فيما بعد: شوقي وحافظ وسارا على نهج البارودي.
والذي يعنينا هنا هو تلك النونية التي قالها البارودي وهو في منفاه في سيران يمدح فيها سيد الخلق وأشرفهم صلى الله عليه وسلم، وقد قلت مراراً في هذا اللقاءات لمن يفقد سبب من يشرح الأبيات ويبين معاني الكلمات، ولكنني اتخذ من بعض أبيات القصيدة طريقاً للتعريف بالأيام النضرة والسيرة العطرة لنبيهم صلوات الله وسلامه عليه، ورزقني الله وإياكم جواره في جنات النعيم.
قال البارودي رحمه الله تعالى: يا رائد البرق يمم دارة العلمِ واحْدُ الغمام إلى حيّ بذي سَلَمَ وإن مررت على الروحاء فأمر لها أخلاف سارية هتانة الديم أدعو إلى الدار بالسقيا وبي ظمأ أحق بالريّ لكني أخو كرم منازل لهواها بين جانحتي وديعة سِرها لم يتصل بفمي عهد تولى وأبقى في الفؤاد له شوقًا يفل شباه الرأي والهمم إذا تذكرته لاحت مخايله للعين حتى كأني منه في حلم فما على الدهر لو رقت شمائله فعاد بالوصل أو ألقى يد السلم صدرتها بنسيب شف باطنه عن عفة لم يشنها قول متهم لم أتخذه جزافاً بل سلكت به في القول مسلك أقوام ذوي قدم تابعت كعباً وحساناً ولي بهما في القول أسوة بر غير متهم والشعر معرض ألباب يروج به ما نمقته يد الآداب والحكم فلا يلمني على التشبيب ذو عنت فبلبل الروض مطبوع على النغم وليس لي روضة ألهو بزهرتها في معرض القول إلا روضة الحرم فهي التي تيمت قلبي وهمت بها وجداً وإن كنت عف النفس لم أهم محمد خاتم الرسل الذي خضعت له البرية من عرب ومن عجم قد أبلغ الوحي عنه قبل بعثته مسامع الرسل قولا غير منكتم فصل رب على المختار ما طلعت شمس النهار ولاحت أنجم الظلم والآل والصحب والأنصار من تبعوا هداه واعترفوا بالعهد والذمم وامنن على عبدك العاني بمغفرة تمحو خطاياه في بدء ومختتم هذه هي من ميمية البارودي رحمة الله تعالى عليه اقتطفنا لك أيها المبارك بعض أبيات منها ونحن الآن بصدد الحديث عنه.