صفر: أوله ورد نجاب من الحج، يخبر عن الحج، ومعه مكاتيب ينبغي أن لا تحكى، لما صار في الحج بمنزلة هدية من المهانة. والذي كان قدام لم يشعر بما صار في الآخر، وفقد خلق كثير من الحجاج والأزلام، وأخذوا المحمل والسنجق وحريم الناس، وأُخذ صوان الباشا وحريم، واستفك الحريم والصوان بمال مقدار أكياس، وغالب التجار جاءهم القواس، والذي سلم من القتل مشى، ومن عجز عن المشي تورمت رجلاه فهلك جوعاً وعطشاً. وأخذوا للسقا باشي ثلاثين حملاً تفاريق. وأما الجمال والأموال والأحمال فلا تحصى، إلى أن وصلوا إلى العلا، أراد العرب يكملوا عليهم في العلا، ويأخذوا الحج كله بأحماله وقتل رجاله، فإذا هم بمحمد باشا كيخية حسن باشا، وابن المطرجي وباشة الجردة بنحو عشرين بيرقاً، وهي التي كانت مع الجردة، وفاتوا عنها بيوم، فحموا بقية المشاة وسلم. وشلح من له في عسكر الجردة ثوبين، يلبس واحداً ويلبسوا العراة من نساء ورجال ثوباً واحداً، لأن حريم الباشا تعروا وفكهم بعدهم.
[الجردة تدرك الحجاج]
وفي يوم النهبة صار بدمشق ظلمة عظيمة حتى ظهر نجم في السما وقت الظهر. وقتل بالرصاص رجل يسمى الشيخ إبراهيم الحافظ: قاتل العرب مع المقاتلين فجاءه رصاص قتله.
قيل إن العرب كانت أربعة ألف بارودة، وأن الشريف أربعماية فرخ، ما تحملوا العرب ساعة حتى راحوا على السيف. وبقي الشريف، وأصاب الرصاص فرسه قتلها. ولما رأت العرب الكواخي والبيارق وعلموا بها قبل العلا ترفعوا بعدما فعلوا ذلك، لم يعلم لهم خبر. وكان مرادهم يفنوا الحج كله، ويأخذوا ما معه.
[الشيخ يوسف الحنفي]
وفي يوم الاثنين عشرين في صفر، توفي يوسف أفندي، قاضي قبرص المذكور سابقاً، وصلي عليه بالجامع الظهر، وصلى شيخنا العلامة الشيخ عثمان القطان، ودفن بتربة الشيخ أرسلان في الصفة المقابلة للشباك.
[دخول المحمل]
وفيه في آخر صفر، دخل الحج والمحمل ومحمد باشا أفندي، بعدما قاسوا من المهالك ما لا يوصف. فمكث الناس ثلاثة أيام من غير الماء لحيلولة العرب بينهم وبينه، فهلك خلق كثير من العطش، ولا قوة إلا بالله.
[حبس أمير الحج]
ربيع الأول، في أوله حبس الباشا أمير الحج محمد باشا أفندي بقلعة دمشق، وذلك في يوم الاثنين.
وقيل إن رأس هؤلاء العرب الذين طلعوا بهدية، رجل يقال له الدبيس من أرض العلا.
وفيه كان سفر آخر الحج الرومي، كأمين الصر ونحوه.
ربيع الثاني، وجمادى الأولى، لم يقع ما يؤرخ.
حسن باشا أميراً للحج
جمادى الثاني، ورد الأمر الشريف بأمرية الحج لباشة الشام حسن باشا، وأرسلوا له تقويةً بأكياس. وأخذ نحو الألفين من الجمال، وأربعة آلاف قربة، غير بيارق كثيرة. وجمع الزعماء والدولة. وأخذ ذخيرةً لا تحصى.
وصهراً للسلطان
وفي رجب عقد نكاحه على أُخت السلطان مصطفى، وأرسل شيئاً كثيراً إلى الروم من التحف والخيل ونحو ذلك.
وفيه ورد صاحبنا إسماعيل آغا بن الخطاب بتولية السليمية.
وعلي آغا بن دلاور آغا بالسليمانية وبالعوارض والخراج، ودخل تحت أكياس.
[مقتل الشيخ زين العرودكي]
وفي يوم الخميس الخامس من شعبان، دخل الشيخ عبد الرحيم العرودكي، خادم الشيخ أبي بكر العرودك بالصالحية، على أخيه الشيخ زين ذي المئزر، فرآه مسكراً عليه الباب، ففتحه فإذا أخوه مذبوح مغطى باللحاف، وكان عند زين هذا بعض نزوة، وكان عزباً في دار وحده يعاشر العتورة والفساق، وكان متهماً ببعض الأمور، سامحه الله، وغسل بعد المغرب، ودفن بالجبل، ولم يعلم قاتله بعد، ورمي على حارة الشيخ عرودك مال.
[الخواجا عمر السفرجلاني]
وفي يوم الخميس الثاني والعشرين من شعبان، توفي الخواجا عمر السفرجلاني، عن أربع وعشرين ولداً، ذكوراً وإناثاً، وصلي عليه بالأموي، وحضر الباشا للجامع، والقاضي وأعيان البلد، ولم يتخلف أحد من أهل دمشق، وكانت جنازته حافلة، ودفن بالباب الصغير.
وكان يحب الخيرات ويكثر منها وعمر كم مساجد، وعمر مسجداً كبيراً له مئذنة، وله أوقاف ومبرات لا تحصى، وطرقات وقني، وله تعابين في الشهري والسنوي واليومي ما لا يحصى، ولم يكن في زماننا مثله في الخير، كان متواضعاً حليماً وقوراً.