وفي يوم الأحد رابع عشر صفر، عمل درساً بعد الظهر في الجامع الأموي، حفيد السيد محمد البرزنجي صاحب الإشاعة، عند محراب الشافعية، وحضر علماء وأعيان والمفتية وخلق لا تحصى. لأنه جاء مع الباشا من المدينة، ومراده الروم لمصلحة ضرورية، ونزل المدرسة السميساطية، وأرسل الباشا فرش له فيها أحسن مكان، وعين له ولخدامه ما يفوق على قدر الحاجة من سائر المهمات والأسباب والكساوي والتعيين والطبخ وأجرة الطباخ، وأرسل له ما يناسب المسكن من الشربات والكلبا سكر، أي السكر الوردي الذي يسمى كلبا سكر بالتركية، لأن السكر اسم السكر والكلبا اسم الورد، والأثقال والمعمول ما يناسب الصأدرين والواردين في كل أمر بحسبه. حتى الماورد والعود، لا بل البخور، ونعم ما صنع.
وفي يوم سابع عشرين صفر، كان أول الخلوة البردبكية، وحضر أكابر وأعيان.
وفيه دخلت الخزنة، وأمرهم الباشا أن ينزلوا عند باب كيسان، وكان المعتاد نزولهم في التكية والميدان الأخضر، ولم يقع خلاف.
[دخول القاضي شيخي زاده]
وفيه أي في يوم السبت، رابع ربيع الأول، دخل قاضي الشام المعروف بشيخي زاده من على الصالحية، ونزل قصر خليل أفندي السعساني، المفتي سابقاً، الكائن الآن بيد بني القرماني، وهو منتظر قدوم الباش حتى يمر عليه للسرايا، وكان في قرية دير العصافير، فنزل كم يوم فيه.
[خلعة القاضي]
فلما رجع، أصبح ينزل إلى عنده ويسلم عليه، ولبس خلعته قباء السمور المشروطة على الباشا لقاضي الشام، وربما تكرر ذلك فلا يقدر على الترك، لأن ذلك بشروط بني عثمان وقوانينهم في الشام، بل في ساير بلادهم.
قلت وكان في القديم خلع القضاة الأربع ترد عليهم من السلطنة في كل سنة من مصر، والآن للقاضي الحنفي فقط، وكان لمدرسي مصر، خلع السمور المفراة بمقلب سمور بقبة تستر جميع ظهره عند الجلوس للدرس، وذلك في المدارس الكبار كالبيبرسية والصرغتمشية ومثلهما.
وفي أوائل الشهر المذكور ظفرت بخطبة أول كتابي هذا، المسمى بالحوادث اليومية، وكنت لما شرعت فيه، شرعت فيه بخطبة وترجمة أذكر فيها فوائد التاريخ وشرفه وما فيه من الإطلاع، وأما الخطبة فهي كانت على ذهني وهي لها الآن أول الكتاب، وأما الترجمة فأنشأت غيرها، فلما ظفرت بها كتبتها هنا، وصورتها:
[خطبة الكتاب للمؤلف]
أما بعد. فلما كان علم الوقائع والتاريخ من أسلم العلوم في هذه الأيام، وأجلى للهموم على الوجه التمام، رافعاً ذوي الأفكار، ولا يسأم منه المتأمل لتجدد علم الأخبار، فالأخبار لا تحصل للمطالع إيقاف الفكرة كسائر العلوم، وهو مطلع لك على حوادث الزمان فيما مضى ولا يدوم، وأقل شيوعاً للذهن في زوايا علوم فرت عناكب النسيان، وأسلم من فن مذاكرته في هذا الزمان، يورق فيها عقد من الجنان.
وكان علم التاريخ وكتبه، جليس لا يمل حديثه ولا يزال على الجردة تليده وحديثه، تورق للمتأمل اعتباراً، يحترز عنها اللبيب سراً وإجهاراً، ولا يخلو كتابنا من فوائد تضيء في أفق عالم الرواية، وواقعات حال تورثها أعيان أهل الدراية، من منظوم بيوته بحسن البلاغة عامرة، وفوائد وقعت بين أهل المسايرة والمسامرة، وبعض أحاديث ترفعه من حديقة عالم القدس، ونكات لطيفة تستزيد الأنس على الأنس، وبعده الدعاء والدخول في المقصود.
ربيع الثاني، أوله السبت، في سادسه، يوم الخميس، بعد العشاء، خرج الباشا للقاعة التي لحسين أفندي قرنق وهو متمرض وفيه بعض تورم.
وفي آخر الشهر من ربيع الثاني، سافر القاضي، زين العابدين، المعزول شيخي زاده إلى الروم، وسافر بقية الحجاج.
[إعادة بناء سوق الذراع]
وفيه عوفي الباشا، وشرعوا في عمارة سوق الذراع وعملوه قبواً بعد أن كان سقفاً، من مال الجامع، ومن بعض كبار، قيل بل الكل من مال الجامع، وتعبت في بنائه الناس، وجاء في غاية الحسن والإتقان.
الشيخ محمد الخلوتي