وفي يوم الجمعة في اثنين وعشرين جمادى الأُولى، ورد قبجي من الروم إلى دمشق يخبر بجلوس السلطان أحمد خان بن عثمان، أخي السلطان مصطفى، ودعا له الخطبا في يومه ذلك، ولم تعمل زينة لعدم الفرمان بذلك، بل ضربت المدافع بالقلعة، وكانت كل ليلة يعمل طلق ويضرب بالنوبة السلطانية، وكله بالقلعة، وفي المرجة عمل الباشا ابن بيرم شعلةً بالميدان الأخضر، وكان نازلاً فيها، وبقي ذلك ثلاثة أيام.
[مصادرة شيخ الإسلام وذويه]
ثم ضبط من تركة شيخ الإسلام ما لا يحصى من الأموال والأمتعة، ما لا يحصيه إلا الله، ومن الجواهر والنفايس ما لا يقاس بحد، وكلما وقع من الشهود من وهم القوة الباغضة، وتفرقت دولة شيخ الإسلام، وسلبوا نعمة أقاربه ومواليه وحريمه وأهليته ومن دونهم، وقتلوا منهم أعيانهم، حتى لم يبقوا لهم شيئاً أصلاً، حتى حكي عن ابنه الذي صار قاضي مكة، اتصل بالفقر إلى حالة لا تحكى، يتلظى بالأزقة بصاية زرقاء لا يعرفه أحد، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
[عزل القاضي]
وفي يوم الجمعة أول جمادى الأولى، كان عزل قاضي الشام إبراهيم أفندي خجاة السلطان مصطفى بن محمد بن عثمان، وجلس نائباً بالباب عبد الرحمن أفندي، ابن القاري.
[فتنة في القدس]
جمادى الثاني، بلغ خبر لدمشق بأن مدينة القدس صار فيها فتنة عظيمة، والرأس، نقيب الأشراف فيها، وأنه جيش من النصارى ومن زعر الحارات أناساً كثيرةً حتى قتل من أولاد البلد أكثر من سبعين نفر، ما عدا النصارى والفلاحين.
[هزيمة منصور الدرزي]
وقبل تاريخه باثني عشر يوماً، ركب الأمير منصور الدرزي صنجق وادي التيم، بنحو ألفي خيال من الدروز، إلى بعض قرى نابلس يقال لها التوتات، وهي ناحية من نواحي نابلس، تشتمل على قرى تسمى كلها وتلك الأرض بهذا الاسم، ومراده أخذ أكراد كانوا نازلين بها، فخرج عليه من الجبل نحو سبعين خيالاً من جماعة بني القواس، لأن لهم تعلق في بعض تلك القرى وتلك الناحية، وكان معهم بيرقان فقط من جماعة الباشا ابن بيرم، فلما رأوا البيارق ظنوا الباشا ابن بيرم، فانكسروا وهربوا من الأرمان، وهلك أكثرهم من الرعب، لأنهم وجدوا تحت الأرمان خلقاً كثيراً منهم موتى بلا جراحة ولا قتل، فلحقوهم وعروهم، والموتى أخذوا سلبهم كله، والحمد لله على خذلان هذا الملعون، والآن أرسل ابن بيرم عرضاً في الركوب على الدروز، وأرسل ضبط مغلهم في بلاد البقاع في كل موضع لهم فيه شيء.
[إخراج الأراذل من دمشق]
وفي يوم الخميس، آخر جمادى الأولى، نادى على الحارات: من كان عنده رجلاً زغلياً أو فاجراً أو مخنثاً أو ديوثاً يخرج، وإلا ما يصير عليه خير.
[طرح الحرير على التجار]
وفي يوم الاثنين سادس عشر جمادى الثانية، أرسل ثلاث قناطير حرير من جهة بعلبك، لأنه توكل في ضبطها للسلطنة من أجل شيخ الإسلام المقتول، وطرحها على التجار، وأرسلوا جانباً للشيخ سليمان أخي المفتي أبي المواهب الحنبلي، قدر عشرين رطلاً.
[تطاول الباشا على أبي الواهب الحنبلي]
فقام جماعة من التجار إلى الشيخ أبي المواهب الحنبلي ليشفع في هذه الرمية التي على التجار، فأرسل ورقةً مع خادمه ابن القيسي، فتهدده فهرب من وجهه. فلما راح كان عنده محمد آغا ترجمان ابن سليمان آغا، وابن جاويش، وجماعة من آغاوات الشام، فأخبروه بمقام الشيخ وما هو عليه من النسك والعبادة والورع، وكان سبق أنه تطاول على صبيه، وحتى أراد يرمي على الشيخ أبي المواهب لما يعلم ما له من الثروة والمال، وربما أراد أن يأخذ منه مالاً، فنبهوه على مقامه ورتبته في العلم، فأرسل أنه لا يقارش الحكام.
[التفاف العامة حول العلماء]
ثم إن التجار وقفوا على أبي المواهب ثانياً، فأرسل ورقةً ثانيةً، وذكر له أن الرعية لا تحمل لهم، فإما أن ترفع هذه الظلامة، وإما أن نهاجر من هذه البلدة، والجمعة ما نقعد عندكم، وأيضاً الحرير للسلطان لا لك فأبعه على كيس السلطان.
وكانوا قدموا له أن البلد تقوم كلها عليك من أجل المفتي المذكور، ولو كان معك ألوف يدافعون عنك، لأن قيام العوام صعب، وربما سكرت البلد وتركوا الجمعة فيبلغ السلطنة فيكون سبب غضبهم عليك، فعاد ترك الأمر ورفع الرمية ورجع بالحرير، ولله الحمد.
عزل بيرم باشا