فلما قتل وصار نفير عام طيبوا خاطر ابن بيرم وأرسلوا تدخلوا عليه أن يركب مع الناس على كليب وألحوا عليه، ونادوا على العام والخاص في السفر وأن لا يتخلف أحد، وبرزوا إلى قبة الحاج بالخيام، فخرج القاضي والشيخ مراد والموالي والعلماء والمدرسون وأعيان البلد وأصحاب السجادات وأرباب الزوايا، كل واحد ومعه من جماعته أناس، ثم خرجوا بقية العوام، مما لا يحصى، ولكن من غير تدبير، فلما جاء المساء لم يروا أحداً، ورجع الناس إلى أماكنهم ما عدا أرباب الخيام، حتى إنه من طرف كل عشرين خيالاً لم يبق منهم أحد، فألحوا على ابن بيرم ونادوا مراراً فلم يخرج، فمر عليهم ابن بيرم عند الظهر وقال: لا أحد يتحرك من مكانه، فأقسموا لا يرجعوا بل يقيموا حتى يجيء.
[تدخل ابن بيرم]
فبات تلك الليلة بالقنيطرة، فجاء من أخبره عن كليب أنه معين عليك سبعماية فارس، كلهم بالدروع يأخذوك الليلة فما أصبح الصبح إلا ورجع من توه من شدة خوفه من كليب. وكان الباشا السابق معه من العسكر أكثر منه مراراً، لكن اغتاظ عليه أرباب الخيام من الأفندية وأعيان مشايخ الشام، حتى طلع الكمال يونس المصري، والشيخ تقي الدين الحصني، والشيخ إبراهيم السعدي، وكل معه جماعات، والشيخ مراد ومعه ستون خيالاً من قراه، أرسل إليها، والبقية كذلك، ثم أمروا ابن بيرم: لا تنزل دمشق ولا حرستا بل ترحل بالكلية عنهم.
وكان لما توجه ابن بيرم إلى الركوب من حرستا على كليب ألزم متقاعدي دمشق وأرباب الوظايف، وجعلوا له مالاً، فلم يرض ورجع في الحال، وكفى الله المؤمنين القتال ثم رجع الكل عن آخرهم.
ثم إن أهل الخربة تعوق عليهم الجواب لانشغالهم بما استعدوا من السفر والنفير العام، واشتغلوا عنهم، عادوا وأعرضوا لكليب في أن يطلق حالهم، ففي أثناء إرسال العرض، قام المتسلم مسرعاً من الخربة، ثم لحقه الباشا، باشة القدس قبل الجواب، ففي يوم رجوع ابن بيرم، وصل من أهل الخربة أناس مجرحون، ولا قوة إلا بالله.
[سكون العاصفة]
ثم هدت الفتنة، وكل منهم لزم حاله، وذلك في وسط ربيع الأول في السنة المذكورة.
والحج دخل في خمسة عشر صفر كما سبق، وركوب الباشا الأشقر في آخر محرم الحرام لملاقات الحج والركوب على كليب.
[الشيخ أحمد البكري الصديقي]
ربيع الأول، وفيه جاء خبر بوفاة مولانا الشيخ أحمد أفندي البكري يوم دخوله مصر، وكان متمرضاً ورجع مع الحج المصري، وكان فرغ من قضاء مكة ونزل لما عزل، على مصر، وأن ولده أسعد أفندي توجه في البحر إلى الروم. وكان تولى سابقاً بدمشق قضاء العسكر كما تولى نيابة الباب مراراً، وذهب إلى الروم مراراً، وكان له بها دار عظيمة، وتسرى هناك وولد له أولاد، ثم تولى قضاء دمشق سنة خمس بعد الماية وألف، وتولى محروسة برصا، ثم مكة المشرفة. وكان مراده مصر فحال الأ ... لا غيره المتكل.....
[فتنة في مكة المكرمة]
ومن جهة مكة، أُخبرنا أن شريف مكة عبد الكريم، جلس للسلطنة الحجازية بسيفه، ورضي أشرافها، وعزل ابن الأشرم، وكان بنو عثمان قد أرسلوا لابن الأشرم تقريراً. وأخذ عبد الكريم السلطنة بالسيف، وقتل من رجال ابن الأشرم ما لا يحصى، وهرب ابن الأشرم، قيل، فيه جروح كثيرة، وأن الغلاء خف عما كان.
وفي آخره سافر بقية الحجاج من دمشق.
[طاووس في دمشق]
وفيه ورد طاووس وهرعت الناس للفرجة عليه، وهو طير غريب كثير الألوان، وذنبه إذا فرشه يكون كدارة الرحى المتوسطة، ورأسه صغير جداً، وحجمه قد الأوزة، وفي صوته بشاعة، وقيل إنه يعجب بنفسه ويتخايل، وإذا نظر إلى رجليه صاح استقباحاً.
[صندوق الدنيا في دمشق]
وفيه جاء من بلاد حلب صندوق فيه صور البلدان، مثل أدرنة وإسلام بول ودمشق وحلب وغير ذلك، وفي وجه الصندوق، مرآة تنظر فيها تلك الأشكال فترى مثل الحقيقة، وإنما هي نقوش، والمرآة تقوي البصر في المرئي، وفيه صور بلاد النصارى والكنايس والأنهار والبحور والجبال.
ابن بيرم في دمشق