وأما داره فلم يكن أحسن منها، فإنها على ما قيل سبع دور، كثيرة الأزهار والأشجار والبحرات المرتفعة والنوافر العالية، والقاعات المذهبة بالدهون المدهشة الغريبة، والنقوش المتقنة العجيبة، ولم يكن أحد من أهل الثروة أتقن تدبير المنزل مثله، خصوصاً في مدة ما صار أمين الكلار، مما لم يسبق إليه، لأن له كان بيت كلار العطريات كلها مما هو معلوم، فضم إليه من الفستق واللوز والسنوبر وأنواع المشمش والزبيب والتمر الهندي والأجاص وغير ذلك. ومكان السكاكر ومكان المربايات ومكان لجميع المياه، ومكان لسان الثور، والهندبا والقرنفل، ومكان الأطياب، كالعود والعنبر والمسك والأشياء الطيبة والعطر شاهي والمكاوي ونحو ذلك، واللبان المصرية والملبس من الفلفل والقرنفل، والبانة والبن والبندق واللوز والتمر. ولكل منها خادم. ومكان للأدوية يعملها له الأطباء من الحبوب والمعاجين والترياقات والمراهم، بحيث إذا جاء الحكيم، يعمل الأدوية عنده. وجميع الأصناف عنده من كل شيء منها، حتى العقاقير، مكتوب في الدفاتر على الخادم خوف النسيان.
[العطريات]
وبيت الأدهان فيه أكياس الورد والبنفسج واليقطين ونحو ذلك، وبيت آخر فيه أنواع العسل والسمن إلى غاية ذلك، والعطريات، ثم مكان آخر للمربايات السكرية يجلبها من أي جهة كانت لمربى الجوز واليقطين والترنج والبطيخ، مما يمكن أن يعمله في الشام، وإلا يجلبه من محاله كجوز الهند المربى والزنجبيل المربى وغير ذلك. ولها خادم مكتوب عليه. ومكان للمخللات الغريبة كمخلل العنب الزيني وغيره، ومكان تطلع منه الآلات السماعية، حتى قيل عنده كان الأرغلا، يخرج منها أربع وعشرون نغماً.
[صندوق غريب]
وعنده من جملة ذلك، من بلاد الفرنج، صندوق بدولاب يحرك فيفتح عن صورة وتماثيل تضرب بالدف وبالعود بطريقة الجنكيات، أشباح بلا أرواح.
[حوض مغطى بالبللور]
وعمل خلف القاعة حوضاً من عجايب الدنيا، مغطى بالبلور عند الشباك، على دوم الدهر أزاهره يانعة، وألوان أنواع نقوشه ساطعة، على مدى الأيام، وإنما جعل عليها البلور خوفاً من الغبار.
[مقعد من بللور]
وله مقعد كله من البلور من سايره، فيه رفوف عليها الفواكه الفرنجية، من الرمان واليقطين والبطيخ والكباد والنارنج الفرنجي، مصنوعاً من شمع لا تظن إلا أنه حقيقة. وإذا ورد عليه أحد من الأكابر يحضر له ما يليق من الضيافة من غير أن يتكلم أو يشير.
[فضله]
وكان له معقول تام ورأي وتدبير وتأني وحسن اعتقاد على المشايخ الصالحين والسادة، وأدب، ولا يسفه أصلاً، ولا يجهر في غيظه على أحد ولا يتطاول، بل يكلمه في حالة الغضب كالرضا.
واعتراه في آخر أمره داء في رأسه كان يغيب منه نحو درجة، ثم يعود إلى ما عليه من الكلام. وكان يتكرر عليه ذلك كثيراً حتى أنحله ذلك ونغص عليه عيشه، وقضى فيه خمسة عشر سنة. وتكلف على ذلك، وعالجه خلق من حكماء الأشباح والأرواح، فلم ينجح.
[حمام الذهبية]
وعمر حمام الذهبية وأنشأه من مال نفسه للجامع، ويقطع من مال الجامع، وكان موضعه أطباق فوق، وسوق لبيع الفضايل ودق ذهب الطواقي والطشاطي التي بطلت من سنة سبع وماية وألف.
ثم إن المترجم المذكور صلي عليه في التاريخ المذكور بالجامع، وحمل إلى تربة الشيخ رسلان، قدس سره.
[الشيخ عون المطوعي]
وفي أواسط الحجة، توفي الرجل الصالح العابد القانت القانع الولي الشيخ عون المطوعي، كان كثير النصت بحق الجم من العباد والتقلل، يقنع بالكسرة اليابسة، لا طمع له في شيء من الدنيا ولا رغبة، ولا يطلب من أحد ولا يتردد على أحد، وصلي عليه بالأموي ودفن بتربة الشهداء بالباب الصغير، لصيق الشيخ الولي السيد حسن المنير، الفقيه الشافعي، رحمهم الله تعالى.
[محرم الحرام سنة ١١٢٣]
٢١ - ٢ - ١٧١١م
[الحكومة]
وسلطان الممالك الرومية وبعض العربية والعجمية، السلطان أحمد ابن السلطان محمد خان عليه الرحمة والرضوان. وكافل الشام نصوح أو ناصيف باشا في الحج. وقاضي الشام زين العابدين أفندي قاضي زاده. والمفتي مولانا محمد أفندي العمادي، والمدرسون وأهل البلد على حالهم، وأول محرم السبت.