فهذا كتاب جليل في النحو، خطه بزبر، من هو أنحى من سيبويه، وأثر جميل في علم الإعراب، بناه بنان من قبض الفنون بكفيه، قد استغنى في تسنم عليا الفضل عن سمك سقف بنائه وتأسيسه، لما أن التاجر مجده في كيسه، والعالم في كراريسه، جعله الله موطياً العقب، تنقلب إليه حماليق الراجح الرزان في كل زمان، وأعلى سعده ما استقبل الفرقدان وطلع المرزبان، ولما رأيته ترخى دون جلالته السرداقات والستور، ويتواطا لهيبة شانه رؤوس أهل الصدور والسطور، خدمت لسلطان عزه بقبول ما أملاه من الوجازة، ووضحت على أمر أمره في نحوه، ونحو قلم الإجازة، وأنا الفقير سمي الذبيح، الشيخ حقي البرسوي، ثبته الله على السراط السوي، أخذت علم النحو ونحوه، وكذا علم الصرف ونحوه، حياً عن حي، وهو الشيخ السيد عثمان الفضلي الإلهي الاصطنبولي، مجدد رأس المائة الثانية، صاحب التصانيف الرائعة، عن الشيخ محمود الهدائي الأسكداري، ذي الآثار العافية، عن الشيخ محمد أفناده البرسوي المحدث النقاب، عن الشيخ الحاجبي بيرم الأنقراوي الفياض العباب، عن الشيخ حامد الأقسرائي، قطب وقته بلا ارتياب، قدس الله أسرارهم، وجعل مهبط الذكا أنوارهم. ووقع هذا في السدس الرابع من النصف الثاني، من العشر العاشر من العقد الثالث، من المائة الثانية من الألف الثاني، من هجرة من أنزل عليه السبع المثاني.
انتهى تقريضه البديع، وروض تقريره المريع، وكان ممن جمع بين المعقول والمنقول، واشتمل على علوم الفروع والأصول. وله تفسير لا أدري هل أتمه أم لا، لأنه توفي في حدود الأربعين وماية وألف، ببلدته برصا، عفي عنه، آمين.
[السلطان والعجم]
وفيه سمع أن السلطان أحمد بن عثمان، شارع في الهجوم على بلاد العجم الشيعة، وأنه خرج من إسلام بول وأنه يقيم في حلب للسفر أول الربيع، والسلطان في بعض بلاد الروم، والله ينصر سلطان المسلمين، وأهالي السنة أجمعين.
[حديث نبوي]
وأفادنا من كتابه عنه عليه السلام أنه قال: ستة أشياء حسن، وهي في ستة أحسن: الورع حسن، ولكن من العلماء أحسن، والعدل حسن ولكن من الأمراء أحسن، والسخاء حسن ولكن من الأغنياء أحسن، والصبر حسن ولكن من الفقراء أحسن، والتوبة حسن ولكن من الشبان أحسن، والحياء حسن ولكن من النساء أحسن.
فعالم لا ورع له كشجر لا ثمر له، وأمير لا عدل له كأرض لا نبات بها، وغني لا سخاء له كنهر لا ماء فيه، وفقير لا صبر له، كسحاب لا مطر له، وشاب لا توبة له كسراج لا ضوء له، وامرأة لا حياء لها كطعام لا ملح فيه. انتهى.
[حور تعلا]
وفي يوم رابع الشهر صفر، كنا ببستان يسمى حور تعلا، وهو بستان نزيه، غرس الماجد بيده النصب، يد مصطفى جلبي الكاتب الشهير بابن خليفة.
ربيع الأول، أوله الجمعة على رؤية الهلال، يوم السبت ثانيه، خرج بقية الحجاج والسقا باشية وأمين الصر ونحو ذلك، وسافر جماعة من تجار دمشق إلى إسلام بول للتجارة، وإلى الآن بدمشق سليمان باشا، أخو الباشا، وابن إسماعيل باشا أسعد، باشة حماة، وهو باشة صيدا الآن.
[سفر القاضي]
وفيه سافر حلمي أفندي المنفصل عن مكة، كان نزل في دار حامد أفندي المفتي العمادي بدمشق، وقال فيه صاحبنا الأمجد السيد إبراهيم بن الحكيم الصالحي:
لشمس الفضل في فلك المعالي ... ومن ملك العلوم بفرط حلم
حريٌّ أنني أفديه روحي ... وأبذل في ثناه رقيق نظمي
لقد سادت دمشق به وتاهت ... وهل أحدٌ يسود بغير علم؟
ربيع الثاني، وأوله الأحد، وقيل الجمعة، فيكون ناقصاً.
[قبر شاب منغص]
وفي يوم الأربعاء، أخبرني صاحبنا الأعز السيد إبراهيم بن الحكيم الصالحي، أنه فيه، قبل طلوع الشمس، خرج للجبانة للزيارة، فرأى قبراً محجراً مكلفاً مكتوباً عليه آية الكرسي، وفيه يقول: هذا مدفن الشاب المنغص الأمير ناصر الدين بن الأمير شرف الدين بن الأمير يحيى الناصري، وتحت الرقم بيتان على الحجر المذكور:
قد كان صاحب هذا القبر لؤلؤةً ... فريدةً صاغها الرحمن من هيف
عزّت، فلم تعرف الأيّام قيمتها ... أعادها غيرةً منه إلى الصّدف
خلع السلطان أحمد