شوال، فيه نزل في ثانيه قاضي الشام كمرك إمامي إلى دار الحكم وسلم على الباشا وألبسه القباء السمور على جاري العادة، وعاد إلى دار الحكم ومعه العلماء والموالي والقضاة والكتاب. وانتقل السيد زين العابدين أفندي، القاضي سابقاً إلى دار بني الأيوبي، وأراد السفر، فعوقه الباشا إلى مجيء الحج ليكون مع الركب، إلى بلاد الروم، وأرسل له الباشا بنفقة إلى حين العود، وعين له جميع اللوازم مدة إقامته حتى يسافر مع الحج.
[النصرة على الكفار]
وفيه رجع الوزير الأعظم سالماً غانماً منصوراً على الكفار، وقد تسلم جميع ما صار عليه الكلام، وقيل مسكوا السلطان الغدار ثم فكوه على مال وكم قلعة في بلادهم.
[خروج القافلة ١٥ شوال]
يوم السبت، العاشر منه، سافر الباش والمحمل ونزل القبة.
وفيه سافر أيوب بيك إلى الروم، وقيل، أرسلوا وراه للروم.
[تخلف الحج العجمي في دمشق]
وفي الخميس الخامس عشر شوال، خرج الحج الشامي وأكابر الحج. وفي يوم الخميس الذي بعده، سافر الحج الحلبي، ثم يوم الاثنين وردت الأعجام نحو الألفين. وفيه وردت المزيربتية وأخبروا أن الباشا سافر ورحل، فأخذت الأعجام لهم منازل مدة سنة ليحجوا ويرجعوا من الحج في السنة القابلة إلى بلادهم. وكان الباشا رحل قبل الهلة من المزيريب بنحو خمس أيام، وذلك على خلاف العادة، والأعجام كان مجيئهم على مقتضى الحساب السابق، فحصل لهم حسرة بذلك لم تعهد. لكن الباشا خاف من تعويق العرب فتفوتهم الوقفة.
[تدريب الحارات بدمشق]
وفيه يوم الجمعة نادوا على الحارات بأن يدربوا خوفاً من الدروز لما كان وقع من الباش من نهبهم، والله يلطف بالمسلمين.
[الشيخ عبد الرحيم الطواقي]
وفيه في آخره بلغ وفاة الشيخ الأفضل، الشيخ عبد الرحيم بن الشيخ محمد أفندي بن القابول الطواقي، ببلاد الروم، وكان والده من مدرسي الجامع. وكان المذكور شاباً اجتهد في العلم فحصل، وكان مواظباً على التدريس في كل يوم بالجامع في بقعة أبيه التي كان يجلس فيها. وقد رأيته درس في صحن الأموي في الصيف في كتاب الشفا للقاضي عياض، وتقدم.
[نزول الثلج]
وفي يوم الاثنين ثامن عشر القعدة نزل بدمشق ثلج كثير، وفرح الناس، وكان المطر شاحاً.
[القاضي كمرك إمامي]
الثلاثاء، التاسع عشر، فيه توفي إلى رحمة الله قاضي القضاة مولانا محمد أفندي كمرك إمامي، وصلي عليه بالأموي، ودفن قرب بلال رضي الله عنه، وكان متمرضاً من حين دخوله، فيه بعض تورم، وشاع بدمشق أنه سمه متسلم نصوح باشا، وكان عمل له ضيافة، فمرض بعد يومين، والله أعلم بحقيقة الحال.
وأقول فيه لما وجدت من قوة جأشه على حكام الظلمة، وإبطال ما عينوه من مظلمة بقولي: كان رحمه الله ذا عزم وحزم وسلاطة كلية على حكام العرف على وجه الحد والحزم. لا يخشى في الله لومة لايم، ولا يقبل في ما مشى فيه رشوى تعني قدر تلك العزايم، حال كونه مؤيداً بالأحكام المنيفة، متمسكاً بآداب الشريعة الشريفة، مكرماً للعلماء، محباً للفضلاء، والسادة العظماء، وهو مع كبر سنه، شديد البأس، خصوصاً على أهل العتو والإفلاس، لا يخاف من حاكم ذي سطوة، ولا يمشي معه فيما يخالف الشرع ولا خطوة، فإنه في هذا الحين، كان يعارض الباشا في أموره، ويزجره عن عتوه وغروره. فكم أخرج محبوساً من حبسه رأى حتفه، وأبطل قانون سوم الظلم وعرفه، فرحم الله روحه بروح رحمته، وأسكنه بحبوحة جنته.
[احتراق سوق الذراع]
وفي ليلة الخميس، الواحد والعشرين من ذي القعدة، احترق سوق الذراع لصيق الجامع، ولم يبق سوى الجدار، وراح للناس ما لا يحصى، وهو من أوقاف الجامع.
[درس للشيخ عبد الغني النابلسي]
وفي يوم الثلاثاء رابع عشرين ذي القعدة، كنا في درس السليمية للشيخ العارف العلامة الشيخ عبد الغني، وكان الدرس في قوله تعالى: " إنّ الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما، بعوضةً فما فوقها "، وأنه ورد في وصفه سبحانه بالحياء في قوله عليه السلام: إن الله حيي يستحي إذا رفع العبد يديه أن يردهما صفراً، حتى يضع فيهما خيراً، وأوردوا في هذا المقام قول بعضهم:
إذا كنت مع ضعفي وقلّة حيلتي ... أجود بموجودي لباسط كفّه
فما ظنكم بالله ربّي، فابسطوا ... أكفّ الرجا، فالجود من بعض لطفه
تعريف الحياء