للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واعلم أن الكرامة للولي ممكنةً بعد الموت كالحياة. وهي من عند الله، يكرم بها ذلك الولي غيرةً له، وإظهاراً لحرمته ورتبته. وقد يشعر به أحد ملائكة الأرض، لأن الملك يميز أحوال بني آدم، فبكونه ملكاً، يعلم بمرتبة الشيخ، لأنهم يديرون حلق الذكر ويحضرون القتال كما وقع، وتارةً يقاتلوا وتارةً لا. وإما على وجه التسخير أو الاهتمام بقدر مقتضى حال ذلك الشخص، أو ذلك الولي، ليقضي الله ما شاء.

والكرامة، الأمر الخارق المنوط بالتقوى والعبادة والطاعة الكاملة، والخارق مع المخالفة كإجابة الداعي دعاءً فيه صالح وطالح وكافر، ولا ينافي العقوبة، فإن مانع الزكاة وتارك الصلاة مثلاً، يعاقب عليها في الآخرة، كالرزق الكثير فلا ينافي عقوبة العاصي، وترك الزكاة، وإن كان بخزدلة البوادي، فهو من باب، يعني وهو مع ذلك، يعني كل أحد تحت المشيئة في العفو والعقوبة، والعفو في حق المؤمن كبيرة، لا وعيد على معنى المشيئة، ويعد كرماً لا بخلاً، بخلاف الوعد فإنه يعد من الكرم لمن كان من أهل الجنة من المؤمنين.

ومن أهل المعصيات من يدخل النار، وقد يدخل الجنة ولا يدخل النار. ولا يقال في حق المؤمن العاصي: الكرامة له مكر واستدراج، لأن هذا يقال في حق الكافر فقط، لا ينبغي أن يقال في حق المؤمن.

[النذر وشروطه]

واعلم أن النذر للولي بعد الموت لا ينعقد عند الحنفية، وعند الشافعي يصح ويصرف على الفقراء، وما ينذر من الزيت والشمع فلا يصح ما لم تكن الإضاءة على طريق المارة، والنذر مشروع والعمل به واجب، وإلا يلزمه فيه كفارة اليمين.

قال عليه السلام: من نذر أن يطيع الله فليطعه. ولا يدخل في حكم الأقضية، يعني ليس للقاضي المطالبة لمن نذر له أو دعوى المنذور له، ولا ينعقد إلا بما هو من جنس الطاعة، فلو نذر أن يحمل فلاناً على عاتقه إلى مكان كذا لا يلزمه، وعند الحنابلة لا ينعقد في الواجب ولا المحال، كيمين المحال عندهم، نحو قوله: والله لا تطلع الشمس غداً، وعند الحنفية يكون غموساً.

وعند الفقهاء، لا يجوز إشعال المقابر والترب مطلقاً لعدم الفايدة في ذلك ما لم يضف إلى الطريق، ويجوز التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين، إلى الله تعالى، كما توسل عمر رضي الله عنه، بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم حين استسقى، لا بالأمكنة المعظمة والأزمنة المشرفة. ولم أر فيه نقلاً بنفي ولا إثبات، والله أعلم.

[ابن المهيني]

وفيه يوم السبت ثاني عشره، توفي ابن المهيني، وكان من زربا الدولة زمن قاسم آغا التركمان المتوفى قبل تاريخه.

[سقوط بلغراد]

وفيه ورد خبر من الروم بأن بلدة بير الأغراض، أخذها الكفار من أيدي المسلمين، ولا قوة إلا بالله.

[صدام بين العلماء والشوباصي]

وفي ليلة الجمعة العاشر من ذي القعدة، دعي شيخنا التقي التغلبي، المفتي الحنبلي، وجماعة من طلبته، إلى حضور إحياء في زاوية الشيخ أبو بكر العرودكي بالصالحية. فبعد العشاء، اجتمع الناس فخرج جماعة قعدوا في الزقاق، من الناس الحاضرين، من عند باب الزاوية، فمر الشوباصي مسكهم، فخرج إليه شيخنا ومعه رجلان من جماعته وكلموه من جهة الممسوكين فتطاول بالكلام، وكان معه من طلبته رجلان مصريان معهم مساليت، فضربوه حتى أرموه إلى الأرض، فغمي وهرب عنه من معه. ثم أرسلوا إلى خلف شيخ الحارة فحملوه إياه ليكون عنده، فأخذه لبيته إلى الصباح. فبكرة النهار نزل إلى دمشق وأخبر بعض علماء، وأخبر المفتي ابن العمادي، فقاموا على المتسلم وأرادوا قتل الشوباصي، ويبرزوا فتوى في قتله، فعاد المتسلم، فض القضية وطيب خاطرهم، ثم عزله والحمد لله.

[عبد المحسن السفرجلاني]

وفي ليلة السابع عشر من ذي القعدة، توفي الخواجا عبد المحسن جلبي السفرجلاني، وصلي عليه الظهر بالجامع الأموي، ودفن بالباب الصغير.

وفي يوم الاثنين دخل نائب القاضي الجديد الأتي ونزل في دار بني القاري.

شهر ذي الحجة، أوله الجمعة، الثلاثاء خامس، خرجت الخزنة.

[مكاتيب العلا]

وفيه جاءت مكاتيب العلا، وأخبرت أن الحج بخير.

الشيخ تقي الدين الحصني

<<  <   >  >>