ولم يقدر الباشا يدخل مع المحمل، بل دخل كيخيته محمد باشا، وقاضي الشام، ولكن باشة القدس ابن بيرم، ظفر بجمال للعرب، نحو ثمانين، فأخذها، فاستعان بها على المنقطعين، وبلغه الخبر لما وصل لتبوك، فأسرع للعلا، وكانت النهبة في أبيار الغنم، موضع العام الماضي.
[باشة القدس ينجد الحجاج]
ولما وصل باشة القدس للعلا، رمى الناس تحت النخل عراةً لا خيام ولا شيء أصلاً، ولا شيئاً من المأكول والعليق، ولا جمال ولا دواب، والباشا تحت شجرة فوقها عباءة، وذخيرة العلا فرقها على الحجاج.
وأردف ابن بيرم جماعته على خيل: اثنين اثنين، والجمال اثنين أو ثلاثة وبالدور، ولولا ابن بيرم وصل العلا، لهلكوا عن آخرهم لعدم الذخيرة ودراهم للشراء.
وتعوق الحج عن عادته اثني عشر يوماً، والعادة أنه في خامس صفر، ولكن تعوقوا حتى خلصوا المحمل.
[سفر الباشا]
وبعد مدة سافر الباشا وحده، ومعه آغا المفردة، ولم يجعل موكباً ولا طبلاً ولا زمراً خوفاً من العامة، وفي الدخول دخل ليلاً ولم يشعر به أحد، ودخل مع المحمل الكيخية فقط.
وحسب مال الحج الحلبي وحده سبعة عشر كيس، وإذا كان كذلك، فما بال الحجوج الباقية، والحلبي لا يجي الربع.
وصار مع العرب من التحف والذخاير والتفاريق وثقل الباشا ونحاسه وخزنته وصوانه والفرش والدواب والفراء المكلفة من السمور ونحوه، مثل التفاريق السلطانية وأموال جميع من في الحج.
والخواجا ابن بيرك الحلبي، كان معه أحمال من الذهب والفضة، نحو مايتي كيس فأكثر، أو خمسماية، لأجل الصرف، وفيه من هو مثله وأمثل، وهذا قدر الصر ألف مرة، وكله من حبس المال وترك الصدقة.
[حكاية الصر]
وهذا الصر من جملة أوقاف البر، معدود من الصدقة، فلما منعوه، انظر كيف صار، ولو دفعوه لدفع الله عن الحج هذا السوء الذي صار. وكيف حال، من له علوفة أو صدقة أو رزقة وتنقطع! أما يروم القتل عليها ويستسهل إهدار دم نفسه؟ وهؤلاء العرب تنتظر الصر من السنة للسنة، واعتادوا عليه، ولكن المقدور ما منه مهروب. خلق السبب والمسبب، فلم تقدر الصدقة، فلم يقدر الحفظ من أذى هؤلاء.
[أحاديث عن فضل الصدقة]
قال عليه السلام: اتقوا النار ولو بشق تمرة. وقال عليه السلام: الصدقة تدفع ميتة السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، رواه الترمذي وغيره.
وعن أبي ذر الغفاري قال: الصلاة عماد الدين، والجهاد سنام العمل، والصدقة شيء عجيب قالها ثلاث مرات.
وسئل عن الصوم فقال قربة فليس به هناك، قيل فأي الصدقة أفضل؟ قال أكثرها، ثم قرأ: " لن تنالوا البّر حتَّى تُنفقُوا ممَّا تحبُّون "، قيل فمن لم يكن عنده ذلك؟ قال: بعفو ما له، يعني يتصدق بفضل ماله. قيل فمن لم يكن عنده مال؟ قال بفضول طعامه. قيل فمن لم يكن عنده ذلك؟ قال يعين، بضم الياء وكسر العين وسكون الياء الثانية. قيل فمن لم يفعل؟ قال يتق النار ولو بشق تمرة. قيل فمن لم يفعل ذلك؟ قال يكف شره عن الناس ولا يظلم أحداً ذكره السمرقندي.
قلت: والكلمة الطيبة صدقة، وسقي الماء صدقة.
وعنه عليه السلام: ما من رجل يتصدق بصدقة يوماً وليلةً إلا حفظ من أن يموت من لدغة أو هدمة أو موت بغتة.
وفي حديث أبي هريرة: ما نقص مال من صدقة وعن ابن مسعود: درهم ينفقه أحدكم في الصحة أفضل من مائة يوصي بها.
[فضائل الصدقة العشرة]
قال بعضهم: في الصدقة عشر خصال محمودة: خمسة في الدنيا، وخمسة في الآخرة أولها تطهير المال كما قال عليه السلام: إن بيعكم يحضره اللغو والحلف، فشوبوه بالصدقة.
والثاني تطهير البدن، كما قال تعالى: " خُذْ من أموالهم صَدَقَةً تُطهِّرهم وتزكّيهم بها ".
الثالث أن فيها دفع البلايا والأمراض، كما قال عليه السلام: داووا مرضاكم بالصدقة.
الرابع، فيها إدخال السرور على المساكين، وأفضل الأعمال إدخال السرور على أخيك المسلم.
الخامس أن فيها سعة المال وسعةً في الرزق، كما قال تعالى: " وما تنفقوا من شيءٍ فهو يخلفُهُ وهو خير الرَّازقين ".
وأما التي في الآخرة: أولها أن تكون الصدقة ظلاً لصاحبها في الآخرة من شدة الحر. الثاني أن يكون بها تخفيف الحساب. الثالث أنها تثقل الميزان. الرابع أنها نور على الصراط. الخامس أنها زيادة في الدرجات في الجنة.
دخول أصلان باشا