للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثابت هي المزارعة المحرمة، وهي المخابرة، ودليل ذلك الجمع بين هذه النصوص الثابتة وما ورد من حديث خيبر وعمل الصحابة.

٢. أنها تدل على استحباب أن يزرع الأرض بنفسه أو يدفعها دون مقابل لأخيه، والحث على ذلك، وأن كراهية المعاملة لما حصل من نزاع وخلاف، وليس على التحريم، كما في حديث زيد وابن عباس - رضي الله عنهم - السالفين.

٣. نسخها بحديث خيبر (١).

٤. أن هذا يمكن أن يكون في أول الإسلام؛ ليتعاون الصحابة - رضي الله عنهم -، من جنس المؤاخاة المقتضية للتوارث ثم نسخت، والنهي عن لحوم الأضاحي لدفع حاجة الدافة ثم زال (٢).

الدليل السادس: أنها أصول تصح إجارتها فلا تصح المعاملة عليها ببعض كسبها (٣).

المناقشة: هذا قياس فاسد الاعتبار؛ لمخالفته فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وسائر أصحابه، وهو معارض بالأصول السابقة في أدلة الجواز (٤).

دليل القول الثالث: الجمع بين أدلة القولين السابقين، وحمل حديث خيبر على أنها كانت مساقاة، وأن البياض المتخلل بين النخيل كان يسيرًا (٥).

المناقشة:

١. أن خبير كانت بلدًا كبيرًا، يأتي منها أربعون ألف وسق أو أكثر، وخلو مثل هذا البلد من أرض بيضاء منفردة بعيد جدًا، ويبعد أن يكون عاملهم على بعض الأرض دون بعض فينقل الرواة كلهم القصة دون تفصيل مع الحاجة إليه.

٢. أن ما يذكرونه من التأويل لا دليل عليه سوى الجمع بين الحديثين، والجمع بينهما بحمل بعضها على ما فسره راويه أولى من التحكم بما لا دليل عليه.


(١) المغني ٧/ ٥٥٩، وقال الليث: (وكان الذي نهي عن ذلك ما لو نظر فيه ذوو الفهم بالحلال والحرام لم يجيزوه؛ لما فيه من المخاطرة) صحيح البخاري (الجامع الصحيح) ٣/ ١٠٨.
(٢) فائدة: قد يظن الناظرُ الفعلَ أو الحكم من السنة المطلقة، ويغفل عن كونه متعلقًا بسببٍ، ولهذا أمثلة متعددة، أذكر منها قول أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت بعد الركعة في صلاةٍ شهرًا ... ثم رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الدعاء بعدُ. قال: فقيل: وما تراهم قد قدموا؟ رواه مسلم (٢/ ١٣٥) وأصله متفق عليه، والجملة الأخيرة مرفوعة، رواها كذلك ابن خزيمة (١/ ٣١٦،٣١٤) (ح ٦٢١)، وابن حبان (٥/ ٣٢٣ - ٣٢٤) (ح ١٩٨٦).
(٣) الموطأ مع الاستذكار ١٧/ ٥٥٦ - ٥٦٧.
(٤) ومما يدلّ على بُعد هذا القول عن التطبيق قول ابن تيمية (مجموع الفتاوى ٣٠/ ٨١): (ولهذا كان أبو حنيفة يفتي بأن المزارعة لا تجوز ثم يفرع على القول بجوازها ويقول: إن الناس لا يأخذون بقولي في المنع؛ ولهذا صار صاحباه إلى القول بجوازها كما اختار ذلك من اختاره من أصحاب الشافعي وغيره).
(٥) الأم ٤/ ١٢ - ١٣، إحكام الأحكام لابن دقيق العيد ص ٢٩٧.

<<  <   >  >>