للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ارتكاب الغرر ولا يمكن الاحتراز عنه إلا بمشقة أو كان الغرر حقيرًا جاز البيع وإلا فلا) (١) وهذه معاملة عمت بها البلوى لاتساع نطاق الأعمال التجارية والصناعية والزراعية برًا وبحرًا (٢).

الجواب: أن المراد بالبيع في الحديث المعاوضة في اصطلاح الفقهاء، أو المعاوضات ملحقةٌ بالبيع؛ لأنها في معناه، والتأمين التجاري عقد معاوضة، يلتزم بموجبه الطرف الأول بدفع أقساط، ويلزم بموجبه الطرف الثاني بدفع مبلغ في وقت مجهول؛ لأنه مربوط بأمر قد يقع وقد لا يقع، فلا شك في دخوله في الحديث، فإذا كان الدفع على جهة التبرع فهذا تأمين تعاوني وليس تجاريًا، أما كون المدفوع شيئًا تافهًا فهذا زعمٌ يكتنفه أمران: الأول: أن الواقع يكذبه. الثاني: أنه لو سلّمنا ذلك، وكان واقع الشيخ كما ذكره، فإن الغرر اليسير المغتفر ما كان تابعًا، أما أن يكون هو المقصود بالعقد ولا يتبع غيره فلا يجوز، وبالنظر في سياق كلام النووي المشار إليه نجد أنه مثّل بأساس الدار وشراء الحامل مع احتمال أن الحمل واحد أو أكثر وذكر أو أنثى وكامل أو ناقص وشراء الشاة في ضرعها لبن وشراء الجبة المحشّوة وإلم ير حشوها وإجارة الدار شهرًا، مع أنه قد يكون ثلاثين يومًا وقد يكون تسعة وعشرين، ونقل الإجماع في كل ذلك على الجواز، وهو كما ترى (٣).

الدليل الثالث: أن التأمين التجاري يقوم على الميسر والقمار والمراهنة؛ لما فيه من المخاطرة التي يعلق خروج كل طرفٍ فيها غانمًا أو غارمًا على أمر تخفى عاقبته، فبقدر ربح أحد الطرفين تكون خسارة الآخر، ولما فيه من الغرم بلا جناية ولا تسبب فيها، ومن الغنم بلا مقابل أو بمقابل غير مكافئ.

المناقشة: عقد التأمين جِدٌّ والقمار ضرب من اللهو والعبث.

الجواب: علة فساد عقود المعاملات بالميسر هي الاحتمال والغرر، وليست اللعب والهزل، وهذه العلة متحققة في التأمين التجاري (٤).

الدليل الرابع: أن عقد التأمين التجاري يشتمل على ربا الفضل والنسيئة أو الثاني فقط، فإن شركة التأمين (المؤمِّن) إذا دفعت للمؤمَّن له أكثر مما دفعه فهذا ربا الفضل والنسأ، فإذا


(١) المجموع ١٠/ ٣٩٦.
(٢) الفكر السامي ص ٧٧٦، وتمامه: (ولا تخلو مملكة في العالم من هذه المعاملة ولا يستغنى عنها فيما أظن).
(٣) وينظر: الفروق للقرافي ١/ ٢٨٤ الفرق ٢٤، ٣/ ١٠٥١ الفرق ١٩٣، الفواكه الدواني ٢/ ١٢٤، مجموع الفتاوى ٢٩/ ٢٥ - ٢٦، زاد المعاد ٥/ ٧٢٧،٧٢٤.
(٤) القمار حقيقته وأحكامه ص ٥٠٦ - ٥١٩.

<<  <   >  >>