للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثالثًا: العاقلة، فإذا قتل قاتلٌ بغير عمد تحملت عاقلته، كما هو مقرر في موضعه، ووجه القياس أن نظام العاقلة والتأمين التجاري يشتركان في تخفيف أثر المصيبة وتوزيع العبء المالي على جميع المشاركين، وكلاهما إلزامي، الأول بالشرع والثاني بالعقد.

المناقشة: أن نظام العاقلة قائم على التكافل والتعاون لا على الربح، والعاقلة يربطها بالجاني روابط أسرية لا تباع ولا تشترى، ولها أثرها عليه فإن جنايته قد تكون بسببهم إما لسوء التربية أو عدم الردع والكف أو شعوره بالقوة لانتمائه لهم، والعاقلة لا تتحمل إلا بما تحصل به المواساة، فالفقير منهم لا يدفع شيئًا (١)، أما المؤمن في التأمين التجاري فملزم بالدفع؛ لأنه مبني على الضمان لا على المواساة (٢)، والتأمين التعاوني هو الذي يشبه نظام العاقلة.

رابعًا: عقد الموالاة، وهو أن يتفق شخصان على التناصر والتوارث وتحمل كل منهما جنايات والتزامات الآخر، ووجه القياس أن في كلا العقدين مخاطرة فلا يدري أي المتعاقدين يموت أولًا فيرثه الآخر، ولا يدرى ما الالتزامات والجنايات التي تعرض لكل منهما، وكذلك الحال في التأمين التجاري (٣).

المناقشة: عقد الموالاة منسوخ (٤)، وعلى فرض إحكامه فالمقصود منه تنمية أواصر المحبة والأخوة والتعاون لا الربح (٥).

في أدلة أخرى.

دليل القول الثالث: استدلوا بأدلة الفريق الأول على تحريم التأمين على الحياة وبأدلة الفريق الثاني على جواز التأمين على الأموال.

الترجيح

وبين يدي الترجيح أقول: إن الترجيح في الأمور العامة لا بد أن يرتبط بالواقع علميًا وعمليًا، فإصدار الحكم دون تصور صحيح وفهم للواقع خطأ، (وأكثر أغلاط الفتاوى من


(١) قال في "الأوسط" ١٣/ ٣٤٦: (وكل من أحفظ عنه من أهل العلم: لا يلزم الفقير من ذلك شيئًا).
(٢) فتاوى اللجنة الدائمة ١٥/ ٢٨٥، الربا والمعاملات المصرفية ص ٤١٢ - ٤١٣، المعاملات المالية المعاصرة ص ١٠٥ - ١٠٦، ١١١.
(٣) التأمين الاجتماعي ص ٣٠٩ - ٣١٠. قال أحمد طه السنوسي: (عقد المولاة يكون نصًا صريحًا في التأمين من المسؤولية) وتعجب مصطفى الزرقا من توارد الخواطر بينه وبين السنوسي في هذا الاستدلال، وقال: (ورأيت في هذا التوارد دليلًا على صحة الملاحظة). المعاملات المالية المعاصرة ص ١٠٧ - ١٠٨.
(٤) رواه البخاري، كتاب الكفالة، باب قول الله -تعالى-: (والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) (٣/ ٩٥ - ٩٦) (ح ٢٢٩٢) موقوفًا على ابن عباس - رضي الله عنهما - وهي قراءة من عدا عاصم وحمزة والكسائي وخلف.
(٥) التأمين الإسلامي للقره داغي ص ١٥٢، الربا والمعاملات المصرفية ص ٤١٧ - ٤١٨.

<<  <   >  >>