للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حكم المضاربة

لا خلاف بين المسلمين في جواز شركة المضاربة، ولكن اختلفوا في نوع الدلالة على هذا الحكم على قولين:

القول الأول: أنه لا دليلَ عليه من الكتاب ولا من السنة المرفوعة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما دلت عليه الآثار والإجماع، وممن ذهب إلى هذا ابن المنذر وابن حزم، قال ابن المنذر: (لم نجد للقراض في كتاب الله - عز وجل - ذكرًا ولا في سنة نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، ووجدنا أهل العلم قد أجمعوا على إجازة القراض بالدنانير والدراهم) ثم أشار إلى أصل في هذه المسألة وما شابهها مما كان ثبوت أصله بالإجماع فقال: (فوجب إذا كان الأمر كذلك: نجيز منه ما أجمعوا عليه، ونقف عن إجازة ما اختلفوا فيه منه) (١) وقال ابن حزم: (كل أبواب الفقه ليس فيها بابٌ إلا وله أصلٌ في القرآن والسنة نعلمه-ولله الحمد- حاشا القراض، فما وجدنا له أصلًا فيهما البتّة، ولكنه إجماعٌ صحيحٌ مجرَّدٌ) ثم نقض ذلك فقال: (والذي نقطع عليه أنه كان في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلِمه فأقره، ولولا ذلك ما جاز) (٢) وهذه سنة إقرارية، فيحمل كلامه الأول على السنة القولية أو الفعلية، ثم وجدت لأبي العباس ابن تيمية نصًّا في هذا، وهو قوله: (وقد كان بعض الناس يذكر مسائل فيها إجماع بلا نص، كالمضاربة وليس كذلك، بل المضاربة كانت مشهورة بينهم في الجاهلية لا سيما قريش، فإن الأغلب كان عليهم التجارة، وكان أصحاب الأموال يدفعونها إلى العمال، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد سافر بمال غيره قبل النبوة، كما سافر بمال خديجة، والعِيرُ التي كان فيها أبو سفيان كان أكثرُها مضاربة مع أبي سفيان وغيره، فلما جاء الإسلام أقرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان أصحابه يسافرون بمال غيرهم مضاربة ولم يَنْهَ عن ذلك، والسنة: قوله وفعله وإقراره، فلما أقرها كانت ثابتة بالسنة ... وعلى هذا، فالمسائل المجمع عليها قد تكون طائفة من المجتهدين لم يعرفوا فيها نصًّا فقالوا فيها باجتهاد الرأي الموافق للنص، لكن كان النص عند


(١) الإشراف ٦/ ٢٠٦ وقوله: (ونقف عن إجازة ما اختلفوا فيه) إن أراد التوقف فلا يلزم منه خلو ما اختلفوا فيه عن حكم صحيح، وإن أراد التوقف عن الإجازة، أي المنع والحظر، فلا يسلَّم، بل ينظر في أدلة المختلفين بطرق الترجيح.
(٢) مراتب الإجماع ص ١٦٢، فائدة: ومن الأصول الثابتة بالإجماع دون النصوص الصريحة الشهادة على الشهادة.

<<  <   >  >>