للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان راوي النسخ حتى لم يذكره ولم يخبرهم به؟) (١).

ثانيهما: أن هذه الأحاديث المشار لها محمولة على محل الاتفاق السابق، وسيأتي الجواب عنها مفصّلًا، ولا يصار إلى النسخ إلا عند تعذر الجمع، وقد أمكن.

٢/أنه لو تعذر الجمع وامتنع التأويل وتعين المصير إلى النسخ لكان نسخ حديث رافع - رضي الله عنه - وما في معناه أولى وأقوى؛ لأنه لابد من نسخ أحد الخبرين ويستحيل القول بنسخ حديث خيبر مع ما تقدم في الوجه الأول (٢).

٢. أن اليهود كانوا عبيدًا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذه المعاملة مخارجة بين العبد والسيد.

الجواب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صالحهم ولم يسترقهم حتى أجلاهم عمر - رضي الله عنه -، وقد شرط عليهم - صلى الله عليه وسلم - أن يقرّهم ما شاء، ولو كانوا رقيقًا ما صلح ذلك، ثم إن معاذًا - رضي الله عنه - عامل أهل اليمن بذلك، أفكانوا عبيدًا له؟ وكان الصحابة يتعاملون به، كما سبق (٣).

الدليل الثاني: قال أبو العباس ابن تيمية: (فإذا كان جميع المهاجرين كانوا يزرعون والخلفاء الراشدون وأكابر الصحابة والتابعين من غير أن ينكر ذلك منكر لم يكن إجماع أعظم من هذا، بل إن كان في الدنيا إجماع فهو هذا) (٤) وقال ابن قيم الجوزية بعد أثر محمد الباقر السابق: (فهذا -والله- هو العمل الذي يستحق تقديمه على كل عمل خالفه، والذي مَن جعله بينه وبين الله فقد استوثق، فيا لله العجب، أي عمل بعد هذا يقدم عليه، وهل يكون عمل يمكن أن يقال: إنه إجماع. أظهر من هذا وأصح منه) (٥) ولكن يشكل عليه مخالفة رافع وجابر - رضي الله عنهما - وبعض التابعين، ولكن إن قلنا: إن الإجماع ينعقد على أحد القولين المتقدمَين فإنه قد يصح، لما قاله الخطابي: (وهي عمل المسلمين في بلدان الإسلام وأقطار الأرض شرقها وغربها، لا أعلم أني رأيت أو سمعت أهل بلدٍ أو صقعٍ من نواحي الأرض التي يسكنها المسلمون يبطلون العمل بها) (٦).

الدليل الثالث: القياس على المساقاة في أنها معاملة على الأصل ببعض نمائه، وهذا يلزم


(١) المغني ٧/ ٥٥٧ - ٥٥٨.
(٢) المغني ٧/ ٥٥٩، تنقيح المناظرة ص ٧٤ - ٧٥.
(٣) القبس ١٧/ ٥٠٠ - ٥٠١، الذخيرة ٦/ ٩٤، تكملة المجموع ١٦/ ١٣٤، القواعد الكلية ص ٣٢٧ - ٣٢٨.
(٤) القواعد الكلية ص ٣٢٧، مجموع الفتاوى ٣٠/ ٨١،٢٦٩.
(٥) إعلام الموقعين ٤/ ٢٤٦ - ٢٤٨، فهذا عمل أهل المدينة وغيرهم، فيلزم من يقول بذلك.
(٦) معالم السنن ٥/ ٥٤، وصححتُ كلمة (في) من تنقيح المناظرة ص ٨١، وينظر في رفع الخلاف وانعقاد الإجماع باتفاق العصر الثاني على أحد القولين: التحبير للمرداوي ٤/ ١٦٥٢، شرح الكوكب المنير ٢/ ٢٧٢، قوادح الاستدلال بالإجماع ص ٢٩٣ - ٣١٠، وينظر في كون نفي الخلاف إجماعًا أو لا: إجماعات ابن عبد البر في العبادات ١/ ٥٢ - ٥٥.

<<  <   >  >>