تعالي تري روحاً لدي ضعيفة ... تردد في جسم يعذب بالي
أيضحك مأسور وتبكي طليقة ... ويسكت محزون ويندب سالي
لقد كنت أولى منك بالدمع مقلة ... ولكن دمعي في الحوادث غالي
وأذكر هنا بعض المقاطيع الأدبية المشتملة على حكم ومكارم أخلاق من ذلك قول بعضهم:
قبيح من الإنسان ينسى عيوبه ... ويذكر عيباً في أخيه قد اختفى
فلو كان ذا عقل لما عاب غيره ... وفيه عيوب لو رآها به أكتفى
إذا أنا عاتبت الملول فإنما ... أخط بأقلامي على الماء أحرفا
وهبه رعوى بعد العتاب ألم تكن ... مودته طبعاً فصارت تكلفا
ولغيره:
وذو يقظات مستمر مريره ... إذا الدهر لاقاها اضمحلت نوائبه
بصير بأعقاب الأمور كأنما ... يخاطبه من كل أمر عواقبه
وأين يفر الحزم منه وإنما ... مرائي الأمور المشكلات تجاربه
غيره:
إذا لم يكن للمرء فضل يزينه ... يدافع عن إخوانه لم يسود
وكيف يسود القوم من هو مثلهم ... بلا منة منه عليهم ولا يد
غيره:
غياك والحرص إن الحرص متعبة ... فإن فعلت فراع القصد في الطلب
قد يرزق المرء لم تتعب رواحله ... ويحرم المرء ذو الأسفار والتعب
فأزجر فؤادك عن حرص وعن نصب ... فما وربك يأتي الرزق بالنصب
ولغيره:
إني رأيت الصبر خير معول ... في النائبات لمن أراد معولا
ورأيت أسباب القناعة أكدت ... بعرى الغنى فجعلتها لي معقلا
وإذا نبابي منزل جاوزته ... وجعلت منه غيره لي منزلا
وإذا غلا شيء علي تركته ... فيكون أرخص ما يكون إذا غلا
ولمحمود البارودي لما نفي من مصر:
محا البين ما أبقيت عيون المهى مني ... فشبت ولم أقض اللبانة من سني
عناءً ويأساً واشتياقاً وغربة ... الأشد ما ألقاه في الدهر من غبن
فأن أك فارقت الديار فلي بها ... فؤاد أضلته عيون المهى عني
بعثت به يوم النوى إثر لحظة ... فأوقعه المقدر في شرك الحسن
فهل من فتى في الدهر يجمع بيننا ... فليس كلانا عن أخيه بمستغن
ولما وقفنا للوداع واسبلت ... مدامعنا فوق الترائب كالمزن
دعوت اصطباري أن يعود فبزني ... وناديت حلمي أن يثوب فغيغن
وما هي إلا خطرة ثم أقلعت ... بنا عن شطوط الحي أجنحة السفن
وما كنت جربت النوى قبل هذه ... فلما دهاني كدت أقضي من الحزن
ولكنني راجعت حلمي فردني ... إلى الحزم رأي لا يحوم على أفن
فيا قلب صبراً إن جزعت فربما ... جرت سنحاً طير الحوادث باليمن
فقد تورق الأغصان بعد ذبولها ... ويبدو وضياء البدر في ظلمه الوهن
وأي حسام لم تصبه كهامة ... ولهذم رمح لم يفل من الطعن
ومن شاغب الأيام لأن مريره ... وأسلمه طول المراس إلى الوهن
وما المرء في دنياه إلا كسالك ... مناهج لا تخلو من السهل والحزن
فإن تكن الدنيا تولت بخيرها ... فأهون بدنيا لا تدوم على فن
إذا عرف المرء القلوب وما انطوت ... عليه من البغضاء عاش على ضغن
يرى بصري مالا أود لقاءه ... وتسمع أذني ما تعاف من اللحن
تحملت خوف المن كل رزية ... وحمل رزايا الدهر أحلى من المن
وعاشرت أخدانا فلما بلوتهم ... تمنيت أن أبقي وحيداً بلا خدن
لبعضهم:
إذا ما ضاق صدرك في بلاد ... ترحل طالباً أرضاً سواها
عجبت لمن يقيم بدار ذل ... وأرض الله واسعة فضاها
فذاك من الرجال قليل عقل ... بليد ليس يعلم من طحاها
فنفسك فز بها إن خفت ضيماً ... وخل الدار تنعي من بناها
فإنك واجد أرضاً بأرض ... ونفسك لا تجد نفساً سواها
ومن كانت منيته بأرض ... فليس يموت في أرض سواها
ولسعيد بن حميد يستعطف بعض أصحابه وقد هجره:
أقلل عتابك فالبقاء قليل ... والدهر يعدل مرة ويميل
لم أبك من زمن ذممت صروفه ... ولكل حال أقبلت تحويل
والمنتمون إلى الصفاء جماعة ... إن حصلوا أفناهم التحصيل
وأجل أسباب المنية والردى ... يوم سيقطع بيننا ويطول