لقد مات فيها من سطاك أنيسها ... وقد عاش فيها وحشها ونسورها
غدت وقعة قد سار في الناس ذكرها ... بما فعلته بالعدو ذكورها
فأضحى بها من خالف الدين خائفاً ... وضاق على الكفار منها كفورها
وأعطى قفاء الجدربي مولياً ... بنفس لما تخشاه منك مصيرها
مضى قاطعاً عرض الفلا متلفتاً ... تروعه أعلامها وطيورها
وأنت بما تهواه حتى حريمه ... وتلك التي لا يرتضيها غيورها
فإن راح منها ناجياً بحشاشة ... ستلقاه أخرى يحتويه سعيرها
وليس عدواً كنت تسعى لأجله ... ولكنها سبل الحجيج تجيرها
ومن خلفه ماضي العزائم ماجد ... يبيد العدى من سطوة ويبيرها
إذا رام مجد الدين حالاً فإنما ... عسير الذي يرجوه منها يسيرها
أخو يقظات لا يلم بطرفه ... عار ولا يوهي قواه غريرها
لقد أمنت بالرعب منه بلاده ... فصدت أعاديها وسدت ثغورها
وأضحى له يولي الثناء غنيها ... وأمسى له يهدي الدعاء فقيرها
بك اهتز لي غصن الأماني مثمراً ... وراقت لي الدنيا وراق نضيرها
وما نالني من أنعم الله نعمة ... وإن عظمت إلا وأنت سفيرها
ومن بدأ النعما وجاد تكرماً ... بأولها يرجى لديه أخيرها
وإني وإن كانت أياديك جمة ... لدي فإني عبدها وشكورها
أمولاي وافتك القوافي بواسماً ... وقد طال منها حين غبت بسورها
وكان لنأيي عنك مني تبرقعت ... "وقد رابني منها الغداة سفورها"
إلى اليوم لم تكشف لغيرك صفحة ... فهاهي مسدول عليها ستورها
إذا ذكرت في الحي أصبح آيساً ... فرزدقها من وصلها وجريرها
فخذها كما تهوى المعاني خريدة ... يرف عليها درها وحريرها
تكاد إذا حبرت منها صحيفة ... لمدحك أن تبيض منها سطورها
وللناس أشعار تقال كثيرة ... ولكن شعري في الأمير أميرها
وقال يمدح مجد الدين محمد بن اسماعيل، وهي من فائق الشعر وغرره:
أعلمتم أن النسيم إذا سرى ... نقل الحديث إلى الرقيب كما جرى
وأذاع سراً ما برحت أصونه ... وهوى أنزهُ قدره أن يذكرا
ظهرت عليه من عتابي نفحة ... رقت حواشيها به وتعطرا
وأتى العذول وقد سددتُ مسامعي ... بهوىً يزد من العواذل عسكرا
جهل العذول بأنني في حبكم ... سر الدجى عندي ألذ من الكرى
ويلومني فيكم ولست ألومه ... هيهات ما ذاق الغرام ولا درى
وبمهجتي وسنانُ لا سنة الكرى ... أو ما رأيت الظبي أحوى أحورا
بهرت محاسنه العقول فما بدا ... إلا وسبَّح من رآه وكبرا
عانقت غصن البان منه مثمراً ... ولثمت بدر التم منه مسفرا
وتملكتني من هواه هزة ... كادت تذيع من الغرام المضمرا
وكتمت فيه محبتي فأذاعها ... غزل يفوح المسك منه أذفرا
غزل أرق ن الصبابة والصبا ... وجعلت مدحي في الأمير مكفرا
وغفرتُ ذنب الدهر يوم لقائه ... وشكرته ويحق لي أن أشكرا
مولى ترى بين الأنام وبينه ... في القدر ما بين الثريا والثرى
بهر الملائك في السماء ديانةً ... الله أكبر ما أبر وأطهوا
ذو همة كيوان دون مقامها ... لو رامها النجم المنير تحيرا
وتهز منه الأريحية ما جداً ... كالرمح لدناً والحسام مجوهرا
فإذا سألت سألت منه حاتماً ... وإذا لقيت لقيت منه عنترا
يهتز في يده المهند عزةً ... ويميس فيها السمهري تبخترا
وإذا امرؤ نادى نداه فإنما ... نادى فلباه السحاب الممطرا
بين التكرم والمكارم نسبة ... فلذلك لا تهوى سواه من الورى
من معشرٍ نزلوا من العلياء في ... مستوطن رحب القرى سامى الذرى
جبلوا على الإسلام إلا أنهم ... فتنوا بنار الحرب أو نار القرى
ركبوا الجياد إلى الجلاد كأنما ... يحملن تحت الغاب آساد الشرى
من كل موار العنان مطهم ... يجلوا بغرته الظلام إذا سرى
وسروا إلى النيل العلى بعزائهم ... أين النجوم الزهر من ذاك السرى