للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فملت إلى خان مرث بناؤه ... مميل غريق الثوب لهفان لاغب

فلم ألق فيه مستراحاً لمتعب ... ولا نزلاً إيان ذاك لساغب

فما زلت في خوف وجوع ووحشة ... وفي سهر يستغرق الليل واصب

يؤرقني سقف كأني تحته ... من الوكفِ تحت المدجنات الهواضب

تراه إذا ما الطين أثقل متنه ... تصر نواحيه صرير الجنادب

وكم خانُ سفر خان فانقض فوقهم ... كما انقض صقر الجن فوق الأرانب

ولم أنس ما لاقيت أيام صحوه ... من الصرفيه والثلوج الأشاهب

وما زال ضاحي البر يضرب أهله ... بسوطي عذاب جامد بعد ذائب

فإن فاته قطر وثلج فإنه ... رهين بسلفٍ تارة أو بحاصب

فذك بلاء البرِّ عندي شاتيا ... وكم لي من صيف به ذي مثالب

ألا رب نار بالفضاءِ اصطليتها ... من الضحّ يودي لفحها بالحواجب

إذا ظلت البيداء تطفو أكامها ... وترسب في غمرة من الآل ناضب

فدع عنك ذكر البر إني رأيته ... لمن خاف هول البحر شر المهاوب

كلا نزليه صيفه وشتاؤه ... خلاف لما أهواه غير مصاقب

لهاث مميتٌ تحت بيضاء سُخنه ... وري مفيتٌ تحت أسحم صائب

يجف إذا ما أصبح الريق عاصباً ... ويغدق لي والريق ليس بعاصب

فنبع مني الماء واللوح جاهد ... ويغرقني والري رطب المحالب

وما زال ينبغي الحتوف موارباً ... يحوم على قتلي وغير موارب

فطوراً يغاديني بلص مصلِّت ... وطوراً يمسيني بورد الشوارب

إلى أن وقاني الله محذور شره ... بعزته والله أغلب غالب

فافلت من ذؤبانه وأسوده ... وحرابه إفلات أتوب تائب

وأما بلاء البحر عندي فإنه ... طواني على روع مع الروح واقب

ولو ثاب عقلي لم أدع ذكر بعضه ... ولكنه من هوله غير تائب

ولم لا ولو ألقيت فيه وصخرةً ... لوافيت منه القعر أول راسب

ولم أتعلم قط من ذي سباحة ... سوى الغوص والمضعوف غير مغالب

فأيسر إشفاقي من الماء أنني ... أمر به الكوز مرَّ المجانب

وأخشى الردى منه على كل شارت ... فكيف بأمنيه على كل راكب

أظل إذا هزته ريح ولألأت ... له الشمس أمواجاً طوال الغوارب

كأني أرى فيهن فرسان بُهمةٍ ... يليحون نحوي بالسيوف القواضب

فإن قلت لي قد يُركب اليم طامياً ... ودجلة عند اليم عض المذانب

فلا عذر فيها لامرئ هاب مثلها ... وفي اللجة الخضراء عذر لهائب

فإن احتجاجي عنك ليس بنائم ... وإن بياني ليس عني بعازب

لدجلة خب ليس لليم إنها ... ترائي بحلم تحته جهل واثب

تطامن حتى تطمئن قلوبنا ... وتغضب من مزح الرياح اللواعب

وأجرافها رهن بكل خيانة ... وغدر ففيها كل عيب لعائب

ترانا إذا هاجت بها الريح هيجة ... نزلزل في حوماتها بالقوارب

نوائل من زلزالها نحو خسفها ... فلا خير في أوساطها والجوانب

زلازل موج في غمار زواخر ... وهدات خسف في شطوط خوارب

وليم أعذار بعرض متونه ... وما فيه من آذيه المتراكب

ولست تراه في الرياح مزلزلا ... بما فيه إلا في الشداد الغوالب

وإن خيف موج عيذ منه بساحل ... خلي من الإجراف ذات الكباكب

ويلفظ ما فيه فليس معاجلاً ... غريقاً بغت يزهق النفس كارب

يعلل غرقاه إلى أن يغثهم ... بصنع لطيف منه غير مصاحب

فتلقى الدلافين الكريم طباعها ... هناك رعالا عند نكب النواكب

مراكب للقوم الذين كبابهم ... فهم وسطه غرقى وهم في مراكب

وينقض ألواح السفين فكلها ... منج لدى نوب من الكسر نائب

وما أنا بالراضي عن البحر مركباً ... ولكنني عارضت شغب المشاغب

صدقتك عن نسي وأنت مراغمي ... وموضع سري دون أدنى الأقارب

وجربت حتى ما أرى الدهر مغرباً ... علي بشيء لم يقع في تجاربي

أرى المرء مذ يلقى التراب بوجهه ... إلى أن يواري فيه رهن النوائب

ولو لم يصب إلا بشرخ شبابه ... لكان قد استوفى جميع المصائب

ومن صدق الأخبار داووا سقامه ... بصحة آراء ويمن نقائب

<<  <   >  >>